نقابة الصحفيين (2): اعتلال الوعي بالدور الوظيفي

كتب عدنان برية - 

تُظهر المجالس المتعاقبة لنقابة الصحفيين وعياً مُعتلاً بدورها الوظيفي، يتجلى في مغادرتها لفلك منتسبيها والمهنة، مقابل الانخراط بأدوار مرتبطة بمصالح ومُشكلات المؤسسات الصحافية ومُلّاكها.

يعود الوعي المعتل إلى إشكال مفاهيمي، قِوامه الخلط بين كون النقابة إطاراً خالصاً للمهنة ومنتسبيها، وبالتالي هما هدفها وغايتها ومركز نشاطها، وبين كونها إطاراً حليفاً للمؤسسات الإعلامية، باعتبارها مُشغّلة لمنتسبي النقابة، وهذا يعني بالضرورة الانخراط في الدفاع عن مصالحها ومُشكلاتها وإخفاقاتها.

قانون نقابة الصحفيين لعام 2014، وبعيداً عما يتضمنه من اختلالات وعجز، يرسم حدوداً واضحة لأهداف وغايات النقابة وعضويتها والأعمال التي تُعد عملاً صحافياً، وهي حدود لا متسع فيها للمؤسسات الصحافية، وتحصر دور النقابة الوظيفي في المهنة ومنتسبيها دون سواهم.

لكن، من أين تخلّق الإشكال؟ تطورات قانون النقابة تُظهر بوضوح أنه بدأ مع مرحلة التأسيس، وتحديداً من قانون 1953، الذي سمح - حتى تعديله عام 1998- بعضوية وتمثيل مُلّاك المؤسسات الصحافية في مجلس النقابة بثلث عدد الأعضاء، ما أخضع قرار النقابة أولاً، واختطف دورها الوظيفي ثانياً، والأخطر أنه أنتج وجذّر وعياً مُعتلاً لدى الفاعل النقابي، ممثلاً بمجلس النقابة التأسيسي ووصولاً إلى الحالي.

ورغم تعديل القانون، إلا أن الوعي المعتل أو الزائف استمر، وبات مُحركاً للسلوك، دون أدنى جهد لدراسة انتاجيته اعتماداً على شواهد من التجارب العملية، وهي عديدة في هذا المجال، وتجلّت في انتكاسات وإخفاقات متتابعة، وتضمنت نكوصاً على حقوق الصحافيين والصحافيات، وتبديداً لحقوق النقابة نفسها.

عملياً، ثمة أسباب مُفسّرة لاستقرار الوعي المعتل في عقل الفاعل النقابي، وأدت لفراره من سياق دوره الأصيل إلى الاختباء خلف سياقات زائفة، لعل واحداً منها الفقر الإدراكي لأعراض المشكلات والتحديات التي تجابه الصحافيين والصحافيات ومهنتهم، وتالياً تقديمه تشخيصاً قاصراً وعاجزاً لأسبابها وجوهرها، ما يؤدي حتماً إلى اجتراح حلول لا تقوى على العلاج، لتعود التحديات مُجدداً وقد تعاظمت واستعصت.

وأياً كانت الأسباب والتحديات، لا بد من إدراك حقيقة أن اعتلال الوعي أدى إلى:
أولاً: تحويل نقابة الصحفيين إلى أداة لتحقيق غايات المؤسسات الصحافية ومُلّاكها.
ثانيا: تهشيم سلطة النقابة، وإحالتها إلى مؤسسة رخوة، لا تسمن ولا تُغني.
ثالثاً: خلخلة إرادة الصحافيين والصحافيات ونديتهم في العلاقة مع المُشغلين، وتهميش مصالحهم وحقوقهم.

لا يوجد في القانون الوطني ما يمنع مُلّاك المؤسسات الصحافية من تنظيم أنفسهم، سواء في مجموعة ضغط أو إطار نقابي، ولديهم من الإمكانات والقوة ما يُمكّنهم من ذلك، وبطبيعة الحال هم أدرى بالتحديات التي تعترضهم وسبل مواجهتها، ولكن بعيداً عن نقابة الصحفيين.

تشدّقنا طويلاً نحن الصحافيين والصحافيات بعبارات استعادة نقابتنا ودورها الوظيفي، لكن دون أن نحرك ساكناً فينا، وكان الصمت على الوعي الزائف ديدننا، حتى أصبح بيتنا مرتعاً مُزدحماً، ولم يعد لنا مكان فيه، فبتنا خارجه في العراء، وآن الأوان لاستعادته.

الفصل البائن، وعياً وممارسة، بين نقابة الصحفيين والمؤسسات الصحافية، هو أولى الخطى على درب استعادة دور النقابة حيال المهنة ومنتسبيها، ودون ذلك سنظل في علاقة ذيلية، وسنجد أنفسنا ضحايا لأجندة زواج آثم صمتنا عنه.