العطاء فضيلة وثقافة ...

العطاء فضيلة وثقافة ...
بقلم / د. عبد الرحيم جاموس
في صيف ما في بداية سبعينات القرن الماضي كنت أقيم هناك في دمشق...
كان منزلي على ضفة من ضفاف بردى...
وكانت أشجار الحور الباسقة تحيط بالمكان...
كانت أمسيات دمشق تملؤها الثقافة والفنون...
كان خليل طافش وجميل عواد وابراهيم الباز ومريم شما...
وقائمة طويلة من الاسماء....
يجتهدون في مسرح القباني الدمشقي لصناعة المسرح الفلسطيني.....
مسرحا ثوريا ملتزما...
كانت مسرحية الكرسي لمعين بسيسو هاجس المخرج خليل طافش ... ومهندس الديكور الشاب الفارع الطول جميل عواد يجهد في تصميم الديكور المعبر بأقل التكاليف وكنا نستمع لحواراتهم ونشاهد تدريبات الممثلين بشغف ... كانت القيادة ياسر عرفات وأبو جهاد وأبو ماهر يدعمون فكرة المسرح الفلسطيني ....
كانت أمسياتنا ثرية وغنية بتعدد وتنوع اهتمامات مثقفيها .. من فلسطينين وغيرها من الأشقاء فنانين وشعراء عرب وقصاصين وروائيين ورسامين تشكيليين يتقدمهم الشقيقان عبدالرحمن ومحمد المزين ....
كانت أشعار محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم وممدوح عدوان ومظفر النواب ومعين بسيسو وأحمد فؤاد نجم وأحمد دحبور وأبوسلمى وعبدالرحيم محمود وعلي فودة وأحمد عبدالمعطي حجازي وعمر أبو ريشة ونزار قباني تأخذ منا حقها في الحفظ وفي النقد والنقاش .. كانت تشيع فينا ثقافة التمرد على الهزيمة وتشعل في صدورنا ثورة وتملؤنا حماسة وتدفعنا إلى العمل في صفوف الثورة الممتدة من فلسطين إلى شتى بقاع الوطن العربي الذي توحد في عقولنا وقلوبنا وكنا نرى في لقاءتنا تجسيدا لهذه الوحدة الحتمية في مواجهة المشروع الإستعماري الصهيوني والتي تمثل الطريق إلى الوحدة العربية ...
كنا رغم قلة المال نشعر أننا أغنياء ...
وأن المستقبل سيكون أفضل ...
ليس على المستوى الخاص فقط، وإنما على المستوى العربي العام، بكل أبعاده الثقافية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثورية....
لم نكن نتوقع أن نفقد هذا الحلم ....
ولا أن نفقد دمشق أو بيروت ولا بغداد..
كنا نعيش في فضاءات وإضاءات ثقافية وفكرية واسعة ... وربما كانت فضفاضة.....
أو كانت طموحاتنا مرتفعة بإرتفاع هامات الثورة والثوار في الجولان والعرقوب وفي قواعد ومعسكرات الثورة.....
كان زمنها تتوفر في محيطنا قدوات أدبية وقدوات فكرية وفنية وفدائية ثورية جسورة.....
يشار إليها بالبنان والإعلام...
كنا نحن فيها مشاريع نضالية ....
كان السباق أيامها في العطاء كل في ميدانه السمة العامة ... وكان الأخذ يومها نقيصة....
والعطاء ثقافة وفضيلة.
من الذاكرة...
د.عبدالرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 22/12/2019م