الحالم وحبّات التمر
بكر أبوبكر
كان في صوته رنة الألم بعمق ألف بئر! وكان جسده يهتز كمن لذغته عقربة، أو داهمه تيار كهربائي وهو يكتب أنشودة الفرح.
هاتفني من البعيد، فكانت حشرجة صوته تدلّل على شخص رائع عرفته، ولكنه بدأ يذوي!
ذاك الصوت المجلجل والفعل الآسر الذي شهدته فيه كان قد تلاشى.
وصوته الحزين يعلن موت الأول، وصعود الثاني الذي يرفض الضعف ولكنه يستشعره ويرفض الاتهام ولكنه يعانيه ويرفض التدليس ولكنه يُمارَس عليه ويرفض سياسة الوجهين وهو يعايشها ويرفض حديد القلوب المحيطة به حين ظنها لؤلؤا منثورا كل المطلوب منه أن يلتقط منها ما يشاء فخاب ظنّه.
كان الأسد الزءور قد تلاشي! هل لفترة وجيزة يثب بعدها فيقفز في محيط ما أراد؟ أم يؤثر السلامة ويغمد السيف وينهزم من المعركة قبل بدئها.
كان في صوته بحّة الألم وقحة المرض اللئيم، كما كان فيه مجموعة من أوراق الميرمية المتهاوية، وكثير من حبات التمر التي لم تنضج.
في البعيد يتجلد المأسورون للماضي، ويتكلس الراقصون على جراح الأخرين، ويشكو الحالمون النكران والانتقاص، فهم لا ينشدون سوى العِرفان ويا ليتهم يجدوه؟
وكيف يجدوه! والليل البهيم عدوهم كما فحيح الأفاعي وجبال الاتهام وينابيع الزيت الأسود وكتابات النجاسة على جدران الحمامات القديمة وأكوام من الحجارة المكللة بالشتائم والخبث والاحتقار .
قال لي: هم لا يعترفون بي؟
قلت: فلا تنظر اليهم
قال: ليس لي من بد
قلت ألقِ أحمالك علي كتف صالح، أو أطلق شرارة روحك في فضاء لا يطالونه
قال: وكيف لي ذلك؟
قلت: لست بالنبي. ولكن في القلب مساحات وفي الروح اتساعات لا يدركها الا الأحرار
قال: لم افهم!
قلت: تحرر
كان في البعيد يعاني من الهجران والاتهام، كما عانى الانتقاص من قدره ومن عدم الاعتراف بجهده، او بما قام به. وكأن مجرد الاعتراف من عُذاله جريمة لا يريدون ارتكابها.
وكان يكفيهم تربيتة على الكتف أو لمسة حنان أو نظرة قبول أو كلمة شكر!
ولكن هيهات ذلك على قلوب الثعالب او عقول العصافير أو قيعان الوديان العميقة الآسنة.
#بكرـأبوبكر