محاصصة ومناصصة ثم مقاصصة

 ابراهيم عبدالمجيد القيسي - الحمد لله على نعمة المطر، حيث سقط نصف الموسم المطري على بعض المناطق كرأس منيف، وثلثه في السلط وعمان، بينما لم يسقط على قريتنا الربة- الكرك سوى 10 ملم، من كمية الموسم المطري المطلوبة لانعاش الأرض 300 ملم، لكنكم لا تعلمون في أي طعامكم تكون البركة، وربّ 10 ملم من المطر تنبت نباتا حتى في الصحراء وتنمو الأرض بالبركة.
لا يمكننا أن نعترض في الربة على تدني مستوى الهطول في المنخفض الأخير، لأنه هبة الله من السماء وحكمة عزيز خبير، وهذا قول لا يمكن الاستشهاد به في الحديث عن عدالة توزيع الوظائف في المؤسسات الحكومية وشبهها، لأن الوظائف تخضع لقانون، بل أكثر من قانون، فهناك مؤسسات لها قوانينها الخاصة، وحين تود أن تتهرب من تعيين موظف «مسكين» تتحدث عن الدور وديوان الخدمة وغيره، بينما يجري مثلا في بعض الجامعات، أن تجد عائلة شبابها وبناتها والوالد والوالدة كمان..كلهم موظفون فيها (بمعطوا) آلاف الدنانير شهريا، وتنغلق الجامعة في وجوه كفاءات يمكنها الحصول على وظيفة في وكالة ناسا الفضائية، لكن لا مكان لهم في جامعة أردنية أو مؤسسة أخرى، فهل يمكننا أن نتحدث عن عدم عدالة التوزيع هنا كما نتحدث عن تذبذب كميات المطر القادم من السماء؟!.
كثيرون منا استخدموا الواسطة، وهي قليلا ما تكون انصافا لمظلوم أو تحصيلا لحقوقه، بل هي اعتداء على حقوق آخرين «يستحون»، أو ربما هم يقبعون في ذيل التصنيفات غير المكتوبة، التي يحفظها كثيرون عن ظهر قلب، ويمكنهم توزيع العدالة وحقوق المواطنة على الناس، فهذا يدفع كل الضرائب ويقدم كل جهد ممكن ليتميز بالتحصيل الأكاديمي والمهني، ويحرص «كابرا عن كابر» على عدم أخذ حقوق غيره، لكنه منبوذ ومبعد عن المكان الطبيعي الذي يستحقه..


تسري اقتراحات من مجلس الأمة، باستثناء التعيينات في هذه المؤسسة من قصة «ديوان الخدمة المدنية»، علما أن كل شخص يتواجد في هذه المؤسسة «تقريبا»، لم يتعين بموجب كشوفات ودور الخدمة المدنية، والقصة معروفة، فمن مجالس النواب والأعيان مَن يقوم بتعيين مجموعة من الشباب والفتيات، من عظام «بعض الرقاب»، وقبل نهاية عمر المجلس او في بداية عمر مجلس جديد، يتم التخلص من «النقلة» باقتراح عبقري و»حل مشكلتهم»، أي التخلص من فائض الموظفين الذين تعينوا بالمحسوبية والواسطة، ليتسللوا الى المؤسسات الحكومية الأخرى و»تنقاية» يختارون وظائفهم، وإعادة الكرّة كل مرّة، بعيدا عن ديوان الخدمة ودون مراعاة لحقوق الآخرين.
هذه الواسطات التي تتم وفق محاصصات لبعض المتنفذين، قد تتنافس حولها هذه الجهات، حيث تسيطر بعضها على أكثر من المحاصصة، وتبلغ مستوى مناصصة (حسب حجم المتنفذ)، وحين يأتي موسم المقاصصة أو المحاسبة، لا يثبت في عقول وقلوب المظلومين سوى المزيد من السخط على الحكومة ومؤسساتها، حيث أصبحنا نلمس حجم السخط والغضب وال»مقاصصة» يوميا، ونكتشف كل مرة بأن حبل الثقة بالحكومات  وخطابها يصبح خيطا، ثم شعرة، وهناك من قطعوها مبكرا، ولم يعد يقنعهم أي كلام، بل من بينهم من تطرف واتخذ زاوية صعبة، يقذف الحكومة والمؤسسات بكل الاتهامات، وحين تحاول التفكير بمواقفه تجد أن منطلقها الأول يكمن هنا، أعني في المحاصصات والواسطات والتعالي على البشر بأخذ حقوقهم وتكريس تمييز عنصري بغيض غير مفهوم نوعه ولا «موديله».
الحكومة تفعل ما في وسعها وتحاول أن تتجنب الضغوط التي تمارسها جهات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وتلجأ الى المفاضلات واجراء المقابلات والاختبارات في التعيين للمواقع القيادية في المؤسسات، لكن حتى هذه لا تسلم..
فاهمين عليّ كيف؟!.