حين نفقد دهشتنا

 رمزي الغزوي - يا هذا العمر المتسرب كقبضة ماء!، والمتماثل كصفحة سراب بقيعة نحسبه الماء!. لكم صار يباغتنا رأس السنة ويفاجئنا!، فيطل علينا من طرف الشباك كجنرال عجول، يضبطنا نشعل شمعة عنوداً تتعبنا، فكلما نجحنا بإشعالها أطفأتها هطلات دموعنا، ولهاثنا!. فلماذا لا نتذكر السنة إلا عند نزول ماء رأسها؟!، ولم لا نحتفي بذيل السنة وأفولها‍‍؟‍!. أليست الأيام سواء؟!،‍ ولماذا يختلط بكاؤنا من سنة ولت، بفرحنا بسنة هلت؟!.
لماذا رأس السنة؟!. ألأن العمر بيدرُ قمح مركوم ينتظر الدرس، بيدر نلمُّ سنابله سنبلةً سنبلة وظهورنا تقضُّ من وطأة أثقالها وأحمالها، وأيادينا تتشقق بحناء التراب. فهل كان الخبز جديراً بكل هذا التعب العذب؟!، وهل تنفست أرضنا برئة من فضاء لا تحده حدود، ولا تقيده قيود؟!. أم أن الآخرين كانوا بالمرصاد يتربصون لأحلامنا الثلجية، فيرشونها بالملح كي تموت مباهجنا في براعمها وأكمامها؟!.
عند كل رأس سنة أحار بأيامي كيف أعدها، وكيف أعدُّدها. هل كل يوم مر بي قد عشته بحق وحقيق؟!، هل عشته كما ينبغي للحياة أن يعاش؟!، أم أنني كنت من الذين يتلعثمون عند عتبة كل يوم جديد، فلا يملكون إلا أن يجتروا سالف أيامهم وظلالها، فيضيعون كل شيء: مستقبلهم وحاضرهم؟!، هل حقاً أنا أحيا حياتي؟؟!، فقِلةٌ هم الذين يولدون ليحيوا، وكثيرون جداً أولئك الذين ينتظرون قدوم قطار الموت ليس إلا!!. فهل زرعنا كما ينبغي للحياة أن تبذر وتزرع وتحصد؟!، وهل حصدنا كما حصد المجدون؟!، أزرعنا حقاً، أم أن ما زرعناه كان رملاً مبثوثاً في أرض أجاج، لا يجدي خبزاً؟!.
فرق شاسع واسع بين الحياة والعيش: النبات والبكتيريا والأميبا، والذباب، كلهم يعيشون ويشغلون حيزاً في الكون، لكن من منهم يحيا حياته؟!، فهل سنقترف الحياة ونقتنصها ونحياها بحذافيرها؟!، أم أنها ما عادت تفرق معنا بعد أن تشابهت علينا الأيام!، وتساوت في مذاقها ورائحتها ولونها، فتوقفنا عن إدراك الأشياء التي تصادفنا وتحيط بنا؛ وصرنا محصنين ضد الدهشة، وبات لا يدهشنا شيء، حتى انكسار خيط من الضوء، في ضباب السماء، وترذذه إلى ألوان قزح مفرحة لا يدهشنا. مساكين نحن، إذ نفقد دهشتنا.
دعونا نترك أصابعنا ونسجل بصماتنا على زجاج الأيام، وعلى كؤوس الحياة، التي نشربها صفواً، رغم كدر هذا العالم العكر. دعونا نحيا بصدق صادق، فغداً سيقولون، إذا ما تلمسوا بصماتنا وعرفوها: هنا كانوا، وهنا عاشوا حياتهم كما يجب!.