عقبات تحول دون انسحاب أميركا من العراق

تبعت قرارات البرلمان العراقي بإنهاء العمل بالاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، وإنهاء تواجد قواتها في البلد، تهديدات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات كبيرة على العراق إذا رغب بإجلاء جيش بلاده.
وعقب تلك الخطوات، تلوح في الأفق تساؤلات عدة عن ما إذا كانت توجد عقبات ومخاوف تحول دون الانسحاب الأمريكي، أم إن القرار العراقي، قرار حاسم ولا رجعة فيه؟ وهل انتشار السلاح خارج إطار الدولة، والانقسام السياسي حول الانسحاب، يسمح لواشنطن بترك العراق؟
تنصل حكومي
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية السابق حامد المطلك، استبعد في حديث نقلته صحيفة "عربي21" تنفيذ القرار الصادر عن البرلمان العراقي بإنهاء الاتفاقية الأمنية وسحب القوات الأمريكية.
وقال المطلك إن "القرار الذي صدر من البرلمان هو غير ملزم، لأن الحكومتين العراقية والأمريكية معنيتان بالموضوع كونهما وقعتا على الاتفاقية في عامي 2008 و2014، كما أن الحكومة الحالية هي لتصريف الأعمال"، مؤكدا أن "البرلمان غير معني بإصدار القرارات، والحكومة أرادت التنصل فرمت الكرة بملعبه".
وكشف السياسي العراقي عن وجود بند في الاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد، يقول: "إذا أرادت إحدى الحكومتين أن تلغي الاتفاقية، فعليها أن تقدم كتابا محررا خطيا إلى الطرف الآخر، ولا ينفذ إلا بعد سنة"، متسائلا: "فكيف تخرج القوات الأمريكية بهذه السرعة؟".
ورأى المطلك، أن "الوضع السياسي والأمني الذي يمر به البلد لا يشجع على اتخاذ مثل هذا القرار لإخراج القوات الأمريكية من العراق، لأن الوضع السياسي منقسم على نفسه وهناك ضعف لدى الأجهزة الأمنية وضعف في قرار الحكومة، وهناك مراكز تحكم بقرار الحكومة لتمشية أمور البلد حاليا".
وتابع: "لذلك أنا أعتقد أن خلق أزمة وإخراج القوات الأمريكية ليس في صالح العراق والمنطقة بشكل عام، لأنها تمر بمنعطفات خطيرة جدا، والجنوح إلى التهدئة والحوار هو الأسلم للبلد والمنطقة".
بلد متعب
وبخصوص قدرة العراق على تحمل ما هدد به ترامب، قال المطلك إن "البلد وضعه متعب جدا من الناحية الاقتصادية، ولا يتحمل عقوبات على الإطلاق، ولا أعتقد أن ترامب سينفذ عقوبات على العراق، وبالإمكان حل هذه المعضلة بين بغداد وواشنطن، لأننا لسنا في حالة حرب معها".
وحذر السياسي العراقي من "خطورة التصعيد العراقي في الوقت الحالي، وإنما المطلوب التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص الاتفاقية الأمنية، بما يخدم العراق والمنطقة".
وأعرب المطلك عن اعتقاده بأن "القوات الأمريكية لن تنسحب من جميع القواعد المنتشرة في العراق، لأن هذا خلاف الاتفاقية، لكن لتخفيف حدة التوتر، ربما تنسحب شكليا من بعض الأماكن لتهدئة الأجواء، أما أن تخرج من جميع المناطق فهذا أمر غير وارد على الإطلاق".
انقسام عراقي
بخصوص الانقسام الحالي بين القوى العراقية حول قرار الانسحان، قال المطلك إن "رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي أخبر النواب في الجلسة التي صوت فيها على قرار إخراج القوات الأمريكية، بأن هذا القرار، قرار شيعي وليس عراقيا، لأن المكونات الأخرى انسحبت".
من جهته، اتفق الكاتب والباحث السياسي من إقليم كردستان العراق، كفاح محمود، مع ما تحدث به المطلك، بالقول إن "البرلمان بصيغته التي رأيناها لم يكن يمثل كل الشعب العراقي، وإنما مثل مجموعة الأحزاب الشيعية فقط، وهناك المكون الكردي والسني لم يكونا موجودين".
وحول مخاطر القرار كونه لم يأت بإجماع عراقي والحديث عن تخوف قوى شيعية من تبعاته، قال كفاح محمود في تصريح نقلته صحيفة عربي21": "أشعر تماما بأن من صوتوا تحت قبة البرلمان لا يمثلون كل الشيعة، فهم يمثلون أقلية قليلة، وأن غالبية الشيعة هم بالتأكيد ليسوا مع هذا النهج".
واستدل الكاتب الكردي على ذلك بالقول إن الشارع الشيعي في وسط وجنوب العراق، رفض حكم الأحزاب الشيعية، ولذلك هم هتفوا بشعارات "برا برا إيران" ولم يقولوا "برا برا أمريكا".
مخاوف وعقبات
وبخصوص أبرز العقبات والمخاوف التي تحول دون انسحاب القوات الأمريكية، قال الكاتب العراقي إن "هناك أسبابا كثيرة، فالمؤسسة العسكرية مهلهلة حتى الآن وهي أضعف من أن تحافظ على أمن العراق، إضافة إلى وجود مليشيات خارج نطاق الدولة تهدد كل من يخالفها بالخيانة وعدم الوطنية، وتقصد بذلك الأكراد والسنة".
أما عن الجانب الاقتصادي واعتماد البلد الكامل على النفط وعدم وجود إنتاج محلي يغني عن المستورد، لفت محمود إلى أن "الجانب الاقتصادي أيضا مهم جدا، لأن كل ما يباع من النفط تذهب أمواله إلى البنوك الأمريكية، وبعدها تذهب إلى الحكومة العراقية".
وشدد على أنه "ليس من حق البرلمان إصدار قرارات لإخراج القوات الأمريكية، لأن هذا القرار يجب أن يصدر من الحكومة العراقية"، مؤكدا في الوقت ذاته أن "القوات الأمريكية لن تنسحب من العراق، ولن تخضع لمثل هذه المهاترات".
واستبعد محمود أن "يذهب العقلاء في الطبقة السياسية العراقية إلى قرارات كهذه مع الولايات المتحدة، لأنها حليف استراتيجي مع العراق، وفي الوقت الحالي تمثل كفة الميزان الثانية في التوازن".
وهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد الماضي، بفرض عقوبات على بغداد، بعدما طالب البرلمان العراقي القوات الأمريكية بمغادرة البلاد، مضيفا أنه إذا غادرت قواته فسيتعين على بغداد أن تدفع لواشنطن تكلفة قاعدة جوية هناك.
وأبلغ ترامب الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية بأن "لدينا قاعدة جوية هناك باهظة التكلفة بشكل استثنائي. لقد احتاجت مليارات الدولارات لبنائها منذ فترة طويلة قبل مجيئي. لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها".
وقال ترامب، إنه إذا طالب العراق برحيل القوات الأمريكية ولم يتم ذلك على أساس ودي، فـ"سنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل مطلقا. ستكون عقوبات إيران بجوارها شيئا صغيرا".