عُمان وقابوس... من زاوية أخرى
عريب الرنتاوي - في تأبين سلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد، التقت العواصم والأطراف المتصارعة والمتناحرة على «تثمين» دور الرجل و»حكمته» في إدارة الكثير من الأزمات التي أحاطت ببلاده، وقيامه بدور الوسيط المقبول في كثير من النزاعات والأزمات، واستشهد الجمع على نحو خاص، بنجاحه في استضافة المرحلة الأولى من المفاوضات الإيرانية – الأمريكية التي انتهت إلى توقيع اتفاق فيينا النووي ... الإجماع أيضاً تحقق حول الإشادة بدور السلطان في نقل بلاده من براثن التخلف والانقسام والتشظي إلى ضفاف الدولة الحديثة المتوفرة على مستويات متقدمة من التعليم والصحة والبنى التحتية والنظام العام والأمن والاستقرار.
زرت عُمان عشرات المرات، وبمناسبات عديدة، وأُتيحت لي الفرصة للاستماع إلى السلطان مباشرة، في افتتاح أعمال «مجلس عُمان»، والتقيت بعُمانيين من أجيال متعاقبة، لم يعرفوا غير السلطان الراحل زعيماً لهم ... باسمه ارتبطت نهضة عُمان المعاصرة، وباسمه شخصياً ارتبطت سياسة عمان الخارجية، القائمة على نبذ المحاور، ورفض القطع والقطيعة مع الأشقاء والأصدقاء، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول والعيش المشترك وحسن الجوار ... وهي السياسة التي انتهت إلى «تصفير مشاكل» عُمان مع الخارج، وأكسبتها مزيداً من الأصدقاء، وحيّدت الكثير من أعدائها والطامعين.
لكن واحدة من زياراتي للسلطنة ستترك أثراً كبيراً في نفسي، عندما أتيح لي أن أزور صلالة مسقط رأس السلطان وعاصمة محافظة (إقليم) ظفار وصولاً للحدود اليمنية، حيث استرجعت بذاكرتي ما كان يُنبئنا به الرعيل الأول من اليساريين العرب، بالذات المتحدرين من حركة القوميين العرب، عن «ثورة ظفار» ... مررت بقرى المحافظة وبلداتها، توقفت أمام الطرق والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية وشبكات الكهرباء والماء والانترنت والمرافق العامة ... تذكرت ما يجري على الجانب الآخر من الحدود، في اليمن الذي كان ذات يوم «اشتراكياً» ... كيف انتهى الحال بعموم اليمن، وجنوبه بخاصة، وكيف هو الحال في عموم عُمان وظفارها على نحو خاص.
لقد استطرد كثيرون في الحديث عن «حكمة» السلطان في إدارة ملف السياسة الخارجية، بيد أن القليل كتب على إدارته لأهم ملف واجه عمان لحظة توليه مقاليد الحكم: التعامل مع «ثورة ظفار»، وهو الملف الذي استغرق أول خمس سنوات من حكمه بالكامل تقريباً ... لقد مزج السلطان بين الحزم والمرونة في التعامل مع الثوار، جاء بقياداتهم الشابة، ووضعها في مواقع المسؤولية وسلمها مناصب سيادية، لتصبح من أقرب المقربين للسلطان ومن أبرز مستشاريه حتى يوم رحيله...
خلال خمسين عاماً خلت، غرق اليمن في حروبه الداخلية وحروب الآخرين عليه، فيما كانت السلطنة، تتقدم بخطى سريعة وثابتة إلى ضفاف العصر الحديث... في اليمن الجنوبي مارست قيادة الحزب الاشتراكي «الانتحار الجماعي» في مدرسة الكادر في صراعها على السلطة، وفي عُمان تابع العالم على الهواء مباشرة، عملية نقل السلطة بسلاسة وبساطة ومن دون تكلّف أو تكاليف... لنا، ولكم أن تقارنوا بين الوضع في اليمن وعمان، بين جنوب اليمن وظفار ... ولنا ولكم أن تقرروا ما إذا «إقليم ظفار» محظوظ ببقائه تحت السيادة العُمانية، أم «منكوب» بانفصاله أو تحوّله إلى المحافظة اليمنية الـ»23»، واطلقوا العنان لخيالكم وتصوروا لو أن عُمان برمتها وقعت في قبضة «ثوار الجنوب»، ما الذي كانت ستكون عليه اليوم؟