هل بات مجلس النواب الامريكي يمثل شبكة امان لنظام ايران..؟


بقلم د. عبدالرحيم جاموس

عندما اطيح بشاه ايران  سنة ١٩٧٩م وحل الخميني وعصابته في حكم طهران ، كنت استاذا مساعدا قي شعبة القانون العام بجامعة الحسن الثاني ... وحينها  قد فرح الكثيرون بهذا الحدث... لكني كنت استثناءاً  بين زملائي ،  وكان لي تقدير ان الامريكان بقيادة الديمقراطيين وكبير استراتيجييهم آنذاك الرئيس جيمي كارتر .. ، هم  من اتخذوا  قرار رفع الغطاء عن عميلهم شاه ايران ، عقوبة له على توقيعه اتفاق آذار  ١٩٧٥م  مع العراق في الجزائر... برعاية المرحوم هواري ابو مدين ، والذي بموجبه تم تسوية الخلافات الحدودية  بين ايران والعراق  في شط العرب ، كما انهارات  على  اثره  الثورة الكردية (بقيادة مصطفى البورازان  الذي كان مدعوما من ايران والكيان الصهيوني والولايات المتحدة )، لقد اعتبر توقيع شاه ايران على هذا الإتفاق  تخليا  منه عن الدور المنوط به و بإيران كشرطي للخليج ،   لإرهاب العراق ودول الخليج العربي ليسهل ويبرر  ابتزازها امريكيا  .. ، بعد توقيع هذا الإتفاق  ، بدأنا نسمع بالسافاك (جهاز المخابرات الايرانية) وتعدياته على حقوق الانسان وتجاوزاته في حق المعارضة الايرانية ، وممارستة كافة اشكال القمع في حق الشعوب الايرانية ...، كان كل ذلك بهدف شيطنة نظام شاه ايران ..،  والعمل على دعم معارضيه ،  من مختلف القوى  ، وفي مقدمتها المعارضة الدينية والتي كان يمثلها آية الله الخميني ،  الذي كان لاجئا في النجف بالعراق .. حيث  تم انتقاله الى ضاخية شاتو بريان في باريس  ، ليقود المعارضة بكل اشكالها ،  ويتوفر له الدعم الغربي  المعنوي والاعلامي والمادي ،  بهدف الإطاحة بحكم الشاه...،  وفي هذا السياق جاء  اعلان الرئيس كارتر  حينها (بإعتماد مبدا احترام حقوق الإنسان  كمعيار لعلاقة الولايات المتحدة مع الدول ) واعتباره ضابطا من ضوابط العلاقات الدولية  ،  تمهيدا للتخلي عن نظام شاه ايران وتسهيل اسقاطه وغيره ممن باتت الضرورة الأمريكية ، تحتم تغييرهم من الحكام ، ...  وهذا ماتم فعلا في الربع الأول من عام ١٩٧٩م  بشان شاه ايران ...  ، حيث انتفض الشعب الايراني بكل اطيافه السياسية والإجتماعية ، وانهارت على إثرِ ذلك  كافة الاجهزة الأمنية للدولة الايرانية ..، ولم يبقى سوى الجيش متماسكا ، الذي انحازَ لصالح  انتفاضة الشعب  ، وطلب من الشاه المغادرة والبحث عن بلد تستقبله .، وبالفعل امن الجيش مغادرة الشاه وعائلته  لطهران ، وكان قاصدا الولايات المتحدة  على اعتبار انه صديقا مخلصا  لها ، إلا ان الطائرة التي اقلته قد   توقفت في الرباط ،  تنتظر حصوله على تأشيرة دخول للولايات المتحدة  ولكنه فشل في الحصول على ذلك ، وقد استُفزَ الرأي العام في المغرب من توقف طائرة  الشاه في الرباط ،  وعمته  حينها المظاهرات الطلابية ،  المندده به وبإستقباله في المغرب ، حينها وجه له الرئيس انور السادات   ،  الدعوة لإستقباله في مصر ،  ومنحه الإقامة فيها( تحت  مبدأ ارحموا عزيز قوم ذَل).
هكذا الراي العام العربي والإسلامي  قداخذ  بالشعارات الثورية  التي رفعتها الثورة الايرانية  ،  و منها (نهي شرق ،نهي غرب)  ، اضافة الى انها ثورة المستضعفين في الأرض  .. ،  وانها تؤمن بمبدأ تصدير الثورة كونها ثورة المسلمين والمستضعفين .. ، واغلقت سفارة الكيان الصهيوني في طهران ، وفتح بدلا منها  مكتب ل م. ت.ف ،   ومعلنة عداؤها السافر  له وللولايات المتحدة الامريكية ، كما تصفها بالشيطان الأكبر.. .. ، وللتأكيد على ذلك قام طلبة  جامعة طهران ومنهم احدي نجاد ،  بإحتلال السفارة الامريكية واحتجاز اثنين وخمسين  ديبلوماسيا امريكيا  فيها لمدة قاربت السنتين ،  وقد  تمكن تيار الملالي من اختطاف الثورة والحكم منفردا ، وتصفية  كافة التيارات الوطنية الأخرى ،  التي كانت الشريك الاساسي  في انتفاضة الشعب الايراني على الشاه  . وقد فرٍَ الرئيس الايراني الأول بعد الثورة  بني صدر الى  خارج ايران  ، قبل ان يزج به في غياهب سجون الثور ة....!
وبعد اربعين عاما من الصراع المعلن  بين ايران والولايات المتحدة ،  يأتي مجلس النواب الأمريكي ذي الغالبية الديمقراطية والتي ينتمي اليها الرئيس جمي كارتر ،   الذي اشرف على انهاء حكم الشاه وشيطنته ، الى ان اطيح به ، وحلَّ مكانه الملالي في حكم ايران  وتم تمكينهم ، للقيام بالمهام التي كان قد تخلا عن القيام بها الشاه في المنطقة... ،  ليأتي مؤخرا  قرار مجلس النواب الامريكي ،  (القاضي  بتقييد صلاحيات رئيس الولايات المتحدة ،  في اعلان الحرب او استخدام القوة اوممارسة اي عمل حربي ضد ايران  دون موافقة الكونغريس ) ليؤكد  ويكشف  عن مصلحة الولايات المتحدة ،  وتناغمها وتكاملها في المنطقة ، يتمثل  في الحفاظ على   نظام الملالي في ايران  ، وعدم السعي  من طرفها للاطاحة به ،  او حتى  الحاق الضرر   الجسيم به  ... ، و إن الشواهد  التي تؤكد تلاقي وتوافق المصالح الامريكية الايرانية تتمثلُ في الكثير من الوقائع ، التي شهدتها علاقات الشد والمد بينها دون الوصول الى حالة الحرب ،  بل  التنسيق التام والصريح بينهما  في الاطاحة بنظام طالبان في افغان استان واحتلالها  ، ومن بعدها التنسيق الصريح والمعلن  والتكامل  في اغراض  احتلال العراق ،  والتدمير الممنهج  للدولة العراقية ،  وتدمير نسيج المجتمع  فيه واعدام قادة العراق وعلى رأسهم الرئيس صدام ،  الذي واجه ايران في حرب دروس لمدة زادت عن ثماني سنوات ، ومن  ثم اطلاق يد ايران في العراق ،  والتنسيق معها  في صناعة داعش وتمكينها في العراق وسوريا .. ومن ثم الاتفاق النووي الايراني (٥+١) والذي وضع ايران على عتبة النادي النووي الدولي... !
كل ذلك دون ان تستهدف ايران بأي عمل عسكري او خشن ،  بإستثناء ما اقدم عليه مؤخرا  الرئيس ترامب بإتخاذ قرار اغتيال قاسم سليماني ،  وما تبعه من مسرحية الشد والرخي  والتفاهمات السرية والمعلنه بشأن الرد على هذا الحدث،
و هناك شواهد واقعية كثيرة لايتسع المجال لسردها ،  تدلل على توافق المصالح  بينهما اكثر من تعارضها ، وما يسديانه من خدمات متبادلة في الحقيقة لمصالحهما  ، على عكس الخطاب الإعلامي الديماغوجي للطرفين  الذي يظهرهما في حالة عداء جذرية.
لا شك لدينا في ان الرئيس جمي كارتر  يعتبر  من اهم صناع الاستراتيجية الامريكية في الربع الأخير من القرن العشرين ، والذي اعتمد فيها (قوى الاسلام السياسي )،في تنفيذ سياسات الولايات المتحدة في الشرق الاوسط والعالم العربي والاسلامي من افغان إستان ومواجهة السوفيات فيه، الى العديد من بؤر التوتر والصراع الدولي ،  ومن قوى الاسلام السياسي  نظام الملالي في طهران  حيث يمثل ( النسخة الاسلاموية الشيعية ) ، وجماعة الاخوان المسلمين وما انبثق عنهم من تنظيمات وتشكيلات تحت مسميات مختلفة من القاعدة الى داعش ومابينهما ،  والسماح لهذة التشكيلات برفع شعارات المقاومة ،  ومعاداة امريكا ومعها الكيان الصهيوني للتعمية على بصائر العامة والدهماء والمخفي اعظم ، فهل انكشف المستور في علاقة ايران بأمريكا وبني صهيون ؟؟!
وهل بات مجلس النواب الامريكي  ، الذي يسيطر على اغلبيته الحزب الديمقراطي يمثل  شبكة امان لنظام الملالي  وسياساته في طهران..؟
اسئلة تحتاج الى شيء من البحث والتمحيص ، وتطرح نفسها بقوة على متخذي القرار في الشرق الاوسط وفي العالم  ... تبحث عن اجابات  شافية ومقنعة .. و عن تفسيرات  دقيقة لعلاقة  (ظاهرها متوتر بين ايران الملالي والولايات المتحدة ، وواقعها  يفند الظاهر.. ... الخ).
المستقبل سيكشف عن الكثير من خفاياها ، وساعتها لاينفع الندم.
د. عبدالرحيم جاموس 
20/1/2020