حفّظوهم الدرس (صم) وحجبوا عنهم مضامينه
محمد صالح الشنطي
حفّظوهم الدرس (صم) وحجبوا عنهم مضامينه
فوجئت وأنا أستمع للدكتور عبد الله النفيسي في برنامج الصندوق الأسود - وهو محسوب على المفكرين العرب المعاصرين ، ومن حيث المبدأ لاشأن لي بأفكاره فلست سياسيا محترفا ولم أعتد أن أتعرض لأحد من إخواننا العرب كتابا ومفكرين و محللين أو لغيرهم - يصف الشهيد (أبوعمار) بأنه كذّاب أشر ، والنفيسي معروف بكراهيته الشديدة للزعيم الراحل لا يترك فرصة تمر دون أن ينال منه سبّا وشتما في وسائل الإعلام ، وهو محسوب على الإسلام السياسي ، وقد راعني حجم الشتائم التي كالها للرئيس الشهيد ، وراعني أكثر السطحية التي تناول بها سيرة الشهيد ، فأول اتهام له بأنه تخلى عن تحرير فلسطين الشعار الذي رفعه حين بدأ الكفاح المسلح وزعم أنّه أخذ ينسق أمنيا مع إسرائيل متهما إياه بالفهلوة السياسية .
لقد مر بخاطري فورا استراتيجية حماس الإعلامية التي جعلت التنسيق الأمني محورا رئيسا في هجومها على الرئيس محمود عباس و السلطة الوطنية (قميص عثمان) فتأكدت يقينا أن هذا هو السيف الدعائي الباتر الذي استلته حماس في وجه فتح والسلطة الوطنية مدخلة في روع الآخرين أنه يعني تبليغ إسرائيل عن الفدائيين الذين ينوون القيام بعمليات ضدّها في غياب الرد الحاسم من الإعلام الوطني و توضيح الأمر على حقيقته بشكل بجدية و دأب.
درس حفظّه إعلام حماس لجمهوره و بثّه بين الناس ، فكلما ذكرنا فضائل القوم أشهروا في وجوهنا السلاح القاطع الذي يراد به باطلا من القول وزورا.
نسوا أن هناك اتفاقا دوليا هو اتفاقية أوسلو - بغض النظر عن الآراء المختلفة حولها - تم بموجبها الاتفاق على تسليم الأرض للسلطة وفقا لبرنامج مقرّر تكون المدن أولا ، تضبط السلطة الأمن فيها و تقوم السلطة بمنع أي عملية من مناطقها و تقبض على من يقوم بها و وتضعه في سجون السلطة، و لا تقوم بتسليمهم لإسرائيل كما يدّعي إخواننا في حماس كذبا و بهتانا و إلّا تكون السلطة قد ارتكبت خيانة عظمى و فقدت شرعيتها ، و الكل يعرف أن الشهيد ياسر عرفات كان يتبّع ما يسمى بالباب الدوار أي القبض على من يعتزمون القيام بعمليات وسجنهم مؤقتا ذرّا للرماد في العيون ثم إطلاق سراحهم ، مع أن الإسلام يدعو إلى احترام المعاهدات مع الأعداء ، ولكن حماس أرادت أن تخرّب الاتفاقية دون رؤية ارتجالا وزعما بأنها تقاوم ؛ علما بأنها تمت الموافقة عليها من خلال الأطر الديمقراطية بغض النظر عن مزاعم الزاعمين ، فالتنسيق الأمني يكفل تسليم باقي المناطق بالتدريج ؛ ولكن حماس خرّبت ذلك كله واتفقت رغبتها مع رغبة اليمين الإسرائيلي الذي رأى فيها دخولا إلى عش الدبابير و بداية لانهيار إسرائيل ، و وجدوا فرصتهم السانحة في العمليات الانتحارية الغبية أو الخبيثة التي قامت بها حماس وأدّت إلى دمار شامل للمؤسسات برمّتها وتم بناء السور العنصري ، وتدمير المطار و الميناء وتفجير الصراع الداخلي بخطط مرسومة واضحة نفذتّها حماس ببراعة بعد أن تم قتل رابين و الخلاص من فريق أوسلو الإسرائيلي الذي خاف و تراجع ، و قد توعّد (تساحي هانيغببي) وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي في عهد نتنياهو الأول الرئيس عرفات بالقتل و الخلاص من أوسلو وجاءه الفرج بعد مقتل رابين ثم رحبعام زئيفي و زير السياحة الإسرائيلي على يد مقاتلي الجبهة الشعبية في 17 أوكتوبر عام 2001 فأعفيت إسرائيل من التزاماتها ، ليس هذا فحسب بل وتم تنفيذ عملية شارع بن يهودا بتاريخ الأول من ديسمبر2001 على يد مقاتلي حماس انتقاما للشهيد أبو هنود بتفجير سيارة مفخخة انتهت بمحاصرة الشهيد ياسر عرفات في المقاطعة و اغتياله فيما بعد.
إذن التنسيق الأمني لم يكن خيانة بل كان ضمن بنود الاتفاقية، و لم يكن تبليغا عن المقاتلين بل كان تأمينا لاستلام مزيدا من الأرض وتطبيقا لما تم الاتفاق عليه ، ولكن الدكتور النفيسي اختزل ذلك كله ووشم ياسر عرفات بالخيانة و الفهلوة ، وهو يعلم علم اليقين أن المسائل ليست ارتجالا و أن هناك تاريخا طويلا من النضال وصل بالسلطة إلى قلب فلسطين و معها ما يقرب من أربعمئة ألف خارج الوطن دخلوا تباعا ، ولا أعتقد أن ذلك كان غائبا عن باله وبال حماس التي حفّظت الدرس لأنصارها و أشاعته بين الناس على أنه عمالة وخيانة ، وقد عجبت من أكاديمي يفترض أن يتبع أسلوبا علميا في التعامل مع الحقائق يستل المعلومة من سياقها وملابستها ويتخذها مادة يسم بها رجلا من أشرف الرجال وهو يعلم ذلك .
وقد حفظ ربعنا هذا الدرس (صم) وأخذوا يردّدونه؛ فكلما تحدثت معهم قالوا لك التنسيق الأمنى ، ونفاجأ بقادة حماس ينسّقون أمنيا وسياسيا و عسكريا ، فيسمحون بإقامة مستشفى هو وكر للتجسس ويساومون مقابل وعود في الهواء من شأنها تصفية القضية الوطنية ويرتكبون كل ما كانوا يعتبرونه من الموبقات السياسية .
ا. د محمد صالح الشنطي
14 /1/ 2020م