أوسعناهم شتما وفازوا بالإبل


السياسة فن الممكن والإمكان و الديماجوجية فن الإثارة و التهييج ، و قد عشنا زمنا ليس بالقصير نقتات الشعارات فكانت النتيجة قبض الريح و باطل الأباطيل ، لا بأس من الشعارات الصادقة ترفع في المناسبات الوطنية هدفا أسمى ، ولكن لا بد من الارتقاء بالوعي السياسي في هذه المناسبات وتبصير الناس بما يمكن تحقيقه على أرض الواقع عبر التعرّف على الإمكانات الموجودة فعلا ومدى القدرة على استثمارها دون مبالغة ، وفي ضوء ذلك يتم التخطيط الدقيق ، نحن نواجه سرطانا استيطانيا متسارعا ، واستراتيجيتنا الإعلامية والميدانية والسياسية تحتاج إلى بسط وشرح و وضوح : مانشهده على الشاشات الوطنية الإعلامية تسجيل لمظاهر هذا الاستفحال السرطاني الذي يتنامى يوميا دون أي رادع أو رد فعل واضح أو استراتيجية للمقاومة ذات فعاليات رادعة، وربما كان المؤتمر الأول للمقاومة الشعبية مفيدا في وضع أسس لمقاومة هذا الخطر الداهم ، ونحن نعلم حق العلم أن المقاومة يخطط لها بعيدا عن الرقباء ؛ و ليس في وضح النهار و تحت أعين الكاميرات ؛ غير أنها تظاهرة إعلامية لا بأس بها ، ولكن الأمر يحتاج إلى انبعاث جديد وعودة الروح لمقاومة شعبية فاعلة . 

استمع إلى نشرات الأخبار في الإعلام الوطني الفلسطيني فأصاب بالاكتئاب والإحباط : هدم و مصادرة وموافقات يومية على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية وعشرات الاستنكارات و التصريحات المندّدة وكل ذلك عبث لا طائل تحته ، مازلنا نقتات على تجارب المقاومة الناجحة في الخان الأحمر ومعركة البوابات في القدس ؛ ثم ماذا بعد؟ هل سنظل هكذا صامتين و مساحة وجودنا تتآكل؟ وسلّة الغذاء في الغور تسرق و لا نفعل شيئا سوى التقارير الإعلامية واللقاءات الشارحة لحجم الأخطار.
 
مصداقيتنا على المحك ؛ نقرّر ونحن نعلم أن تنفيذ ما يقرر في المؤتمرات ليس من السهل تنفيذه، فدون ذلك مخاطر جمة ومغامرات غير مأمونة ؛ ومزايدات لا ترعى في الوطن إلا ولا ذمة : ولكن السؤال لماذا نرفع سقف هذه القرارات ونحن نعرف حجم قدراتنا ؟ نحن في جوف الحوت حركتنا محدودة ونحن في قبضة العدو ؛ وقراراتنا تتجاوز قدراتنا فلماذا نضع أنفسنا في مأزق هدفا للمزايدة ؟ 

ثم لماذا تبدو ردّات فعل المقاومة لدينا ضعيفة لا ترقى إلى مستوى هذا النهب المستمر لأراضينا ، أصبح خبر المصادرة والهدم والاستيطان روتيني لا يثير ساكنا ، وهذا أخطر ما في الأمر ، وكأن عدونا يقول: قولوا ما شئتم و نحن نفعل ما نشاء ؛ أين الروح العالية التي يتمتع بها شعبنا ، لا فعل و لا ردة فعل إلا في حدود ضيقة ، المستوطنون يعيثون في الأرض فسادا ونكتفي بذكر الخبر فحسب وكأن الناس على رؤوسهم الطير ، لماذا لا تستنهض الهمم في مقاومة سلمية ولكن فاعلة و متحركة ، لا بد أن تشكل فرق حماية واستطلاع ترصد المستوطنين قبل أن يهاجمونا و نتصدى لهم خارج قرانا ومدننا و لا ننتظرهم حتى يدخلوا إليها ونحن ننعم بنوم هادئ ، آن لنا أن نصرخ : هذا غير معقول و لا مقبول شكّلوا فرق حماية وحراسة واستطلاع في المناطق المختلفة :افعلوا شيئا . وادي الحمص مازال يتعرض للهدم ، ليس هناك من يقاوم حتى نشاطنا الإعلامي في الخارج حول هذه المسألة و في الأمم المتحدة محدود وقادة وكوادر حماس والجهاد يحلمون في أحضان تركيا وإيران بالوحدة الإسلامية بدلا من الوحدة الوطنية. 

" أوسعناهم شتما و فازوا بالإبل" 
أ.د . محمد صالح الشنطي