خطيئة فلسطينية متداولة
حمادة فراعنة — خطيئة سياسية مبدئية استراتيجية ترتكبها الأحزاب العربية الفلسطينية في مناطق 48 وكتابهم ومثقفوهم، تستجيب للمنطق الصهيوني ودلالاته الفكرية وتراثه التضليلي، ومنطقه التوسعي وتفرده الاستعلائي حينما يذكرون ويرددون ويقبلون بالتعبير الدارج «العربي اليهودي» سواء عن الشراكة السياسية أو النضال نحو المستقبل المشترك، فهو يحمل التسليم بالدوافع الصهيونية التي تدعي أن اليهودية دين وقومية، وخطورتها أنها ليست هدفا رغائبيا، بل له دوافع سياسية برنامجية تقوم على مسألتين: أولهما أن يهود العالم موحدون في معاناتهم وفي تطلعاتهم وفي قوميتهم، وثانيهما أن وطنهم وبلدهم هو فلسطين وأن إقاماتهم في بلدانهم الأوروبية والأميركية وأسيا وإفريقيا إقامة مؤقتة وأن ملاذهم هو وطن الآباء والأجداد في فلسطين.
اليهودية دين عابر للحدود والقوميات مثله مثل الإسلام والمسيحية، فالمسلم ليس عربياً، بل يمتد بين قوميات وأجناس وبلدان متعددة لمسلمي الأرض المنتشرين في القارات الخمس، مثلهم مثل المسيحيين، ولا يختلف اليهود واليهودية عن أقرانهم المسلمين والمسيحيين.
فلسطين وطن شعبها العربي ومنهم ومعهم قوميات من الكرد والشركس والأرمن، وأغلبيتهم من المسلمين، ومنهم من المسيحيين واليهود والدروز، هكذا كانت فلسطين وستبقى، وولدت الصهيونية من رحم الاستعمار الأوروبي، وهي لا تختلف في مضمونها العنصري عن استغلال الدين وتوظيفه لدوافع سياسية، وهذا شأن الحملات الصليبية الاستعمارية المسيحية التي قدمت من أوروبا لتطهير أرض السيد المسيح من المسلمين واستعادة تراثه وإعلاء قيمة مقدساته باعتبارها عنوان الحج المسيحي، مثلما لا تختلف عن التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي جنّدت عشرات الالاف من الشباب المسلم من جميع انحاء العالم لإقامة دولة الشريعة في سوريا والعراق وذبحت واغتصبت وشردت كل من هو غير مسلم من وطنه وبيته وشطب تاريخه، باسم الدين الذي وظفته ضد الآخر.
شعبنا العربي الفلسطيني أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، هويتهم الوطنية فلسطينية، وقوميتهم على الأغلب عربية، ودياناتهم إسلامية ومسيحية ومن الموحدين الدروز، وغير ذلك من الأغلبية السائدة الحاكمة المتسلطة التي غيرت من الديموغرافيا السكانية بفعل عاملين: أولهما تشريد نصف الشعب العربي الفلسطيني خارج وطنه من اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبيسان وبئر السبع، وثانيهما جلب أجانب يهود من قوميات متعددة نتيجة انتمائهم فكراً وسياسة وعقيدة للحركات الصهيونية، أو هرباً من الاضطهاد والمذابح النازية والفاشية، أو جاءوا مستثمرين لتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية من البلدان الاشتراكية.
أغلبية سكان فلسطين اليوم هم من الديانة اليهودية، ولغتهم وقوميتهم العبرية، وهويتهم المحلية إسرائيلية، وعليه بديلاً للاستعمال التضليلي «الشراكة العربية اليهودية» يجب استعمال الشراكة «اليهودية الإسلامية المسيحية الدرزية» و»الإسرائيلية الفلسطينية» و «العربية العبرية» حتى ولو كانت هذه المفاهيم غير دارجة بسبب قوة ونفوذ المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وهيمنة المفاهيم والثقافة الصهيونية، وتخلف التأثير القومي العربي وغياب مفرداته لصالح مفاهيم وشيوع ورغبات الصهيونيين الذين مرروا مفاهيم ومفردات «عرب إسرائيل» و»مسلمي إسرائيل» و»مسيحي إسرائيل» و»بدو إسرائيل» ولكنهم تحاشوا ورفضوا وأبادوا «فلسطينيو إسرائيل» لأن الهوية الفلسطينية نقيضة لمشروعهم الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الصهيوني اليهودي العبري.
استعمال تعبير «عربية يهودية» استجابة مباشرة للمشروع الاستعماري الصهيوني يجب وقفه وانتهاء تداوله.