الوصاية الهاشمية على المقدسات حالت دون تذويبها بـ «صفقة القرن»

القدس كما تاج الياقوت الغالي والنفيس، الذي يفخر ويتباهى به كل فلسطيني وعربي ومسلم، ويتطلع بلهفة كي يضعه بزهو وخُيلاء، فوق جبينه وهاماته العالية، وكل ما يرمز للمدينة المقدسة، فإنه يحظى بنفس القدر من المشاعر الأصيلة والنبيلة، والعواطف الجياشة، فقدس الأقداس تسكن في حدقات العيون والمُقل، وتستوطن شغاف القلوب والأفئدة، وهي تتغلغل في دواخل كل الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وفي المقدمة منهم القيادة الهاشمية، صاحبة الوصاية على القدس ومقدساتها.
حضور القدس على أجندة القيادة الهاشمية، لا يندرج، أبداً، تحت بند المجاملة و»تطييب الخواطر»، أو حتى رفع المعنويات، بل هو عبارة عن قناعة راسخة ومتجذرة، مارستها قيادة الأردن، قولاً وفعلاً وسلوكاً، وهذا ما ظهر بتجليات مختلفة، أكدت جميعها على رفض الأردن، للخطة الأميركية المشبوهة، المعروفة زوراً بـ»صفقة القرن».
هذا الحضور المُكثف في أجندة و»روزنامات» جلالة الملك عبدالله الثاني، تم التعبير عنه، من خلال مواقفه في المنابر الدولية، فالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها القدس، حاضرة على مائدته الدولية، وهو بحسب عديد المسؤولين الفلسطينيين، يتحدث عن القدس وقضيتها، في لقاءاته مع قادة دول العالم، أكثر مما يتحدث عن أي قضية أخرى، ومثل هذا الحضور إنما ينعكس، بالإيجاب، على رفع اسم القدس، في كافة المحافل والميادين.
في هذه الأيام، تتجه أطماع الاحتلال الإسرائيلي، من جديد وبشكل متسارع، ومن خلال صفقة القرن، إلى المسجد الأقصى المبارك، فيسعى الاحتلال للسيطرة عليه، ضمن مساعيه لتهويده وتقسيمه.
ومرة أخرى، يُفشل الشعب الفلسطيني الصامد والمرابط، مخططات الاحتلال البائسة في القدس المحتلة، بالسيطرة على أرض الإسراء والمعراج، غير عابئين بقوات الاحتلال، المدججة بكل ما أوتيت من كراهية وعنصرية، ولا بإجراءاتها القمعية من إعتقالات وإعتداءات على المصلين. ويسطّر أبناء القدس المحتلة والداخل الفلسطيني المحتل، ملحمة الصمود الأسطوري، في مواجهة جبروت الاحتلال وغطرسته ومخططاته التهويدية، في وحدة حقيقية تجلت أمام هذا التحدي، ليقف الفلسطينيون ومن خلفهم الهاشميون حماة الأقصى، صفاً واحداً، يرفض بأعلى صوته محاولات المساس بأولى القبلتين، وليقف الاحتلال عاجزاً أمام صلابة هذا الموقف الفلسطيني الأردني ووحدته.
ومن جديد، يؤكد أبناء القدس، جدوى وفاعلية الثبات على الأرض، وقدرته في إجبار الاحتلال على الرضوخ والتراجع، وجدوى الصمود والرباط في الأقصى المبارك، في إطار مواجهة غطرسة الاحتلال واقتحامات متطرفيه المتكررة لباحات الأقصى الشريف، ومحاولات تهويد المدينة المقدسة، رافعين شعار «القدس ليست للبيع».
ويرى مسؤولون مقدسيون، أن الموقف الأردني، الذي يتداعى في كل مرة، للدفاع عن القدس ومقدساتها، يشكّل مفخرة لكل فلسطيني وعربي ومسلم، ويجب أن يشكّل حافزاً لكل الفصائل الفلسطينية والقوى العربية، لاستعادة وترسيخ وحدتها، والوقوف صفاً واحداً في دعم هذا الصمود، ليس فقط في القدس الشريف، أو دفاعاً عن الأماكن المقدسة فيها، بل في كل شبر على امتداد الأراضي الفلسطينية، التي تتعرض لأبشع الإنتهاكات، والأطماع الإسرائيلية، التي تستهدف البشر والشجر والحجر.
وفي هذا الإطار، قال محافظ القدس عدنان غيث، إن جلالة الملك عبدالله الثاني، يدرك قيمة هذا الموروث التاريخي والتراثي، حيث ترعى الأسرة الهاشمية القدس ومقدساتها منذ العام 1924، ما كان له بالغ الأثر في الحفاظ على هوية القدس العربية والإسلامية، والحيلولة دون طمس معالمها الدينية والتاريخية، ومن هنا فإن مواقف جلالته لا زالت راسخة وثابتة برفض أي تدخل سافر في شؤون القدس، وهذه المواقف محط تقدير عال من كل الفلسطينيين.
وأكد غيث في تصريحات لـ»الدستور» أن الاحتلال يشن هجمة غير مسبوقة على القدس ومقدساتها، وهذه الهجمة تأتي متناغمة مع الخطة الأميركية «صفقة القرن»، ويرافقها محاولات يائسة لتقسيم المسجد الأقصى المبارك، غير أن الأردن بقيادة جلالة الملك أحبط بصلابته كل محاولاته سحب الوصاية الهاشمية عن المدينة المقدسة، وهذا ليس غريباً على القيادة الهاشمية، التي تشاركنا الهم وكل تطلعات الحرية والإنعتاق من أطول وأشرس احتلال في التاريخ.
بدوره، قال نائب المدير العام لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، الشيخ ناجح بكيرات، إن جلالة الملك ورغم كل الضغوط التي يتعرض لها نتيجة لمواقفه حيال القدس، يرفض التخلي عن الوصاية الهاشمية على القدس ومقدساتها، والمستمرة منذ أكثر من 95 عاماً، مؤكداً أن لا أحد يمكنه نزع هذه الوصاية، وأن أي محاولة من هذا القبيل سيكون مصيرها الفشل.
وأضاف بكيرات لـ»الدستور»: يسعى الاحتلال ومن خلفه الإدارة الأميركية، لفرض تقسيمات جديدة في المنطقة، تحول دون أن تكون القدس عاصمة للفلسطينيين، بعد إعلانها عاصمة أبدية وغير مقسّمة لدولة الاحتلال، خابوا وخسروا، فالأردن لن يتنازل عن وصايته التي حفظت للقدس هويتها العربية والإسلامية.
وبيّن بكيرات أن محتوى صفقة القرن باطل ولا يقبل به عقل بشر، فكيف يقبل به الفلسطينيون والأردنيون، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية حاولت إضفاء شرعية على خطتها وكأنها أمر واقع، وعمدت إلى حرب نفسية من خلال تهيئة الوضع للإعلان عن «شيء عظيم»، للتغطية على سقوط هيبتها عند معظم شعوب الأرض.
وتابع: حاول الاحتلال الإسرائيلي كذلك، توسيع رقعته لتطال أراض عربية، وتوسيع دائرة الصراع في المنطقة، غير أن جلالة الملك تنبه لهذا الأمر، فانقلب السحر على الساحر، وتحولت صفقة القرن إلى صفعة لكل من حاول تمريرها.
من ناحيته، اعتبر فادي الهدمي وزير شؤون القدس، أن الأردن يوفر الحماية للقدس ومقدساتها، ما يحول دون تذويبها أكان من خلال صفقة القرن أو غيرها من المؤامرات التصفوية، مشدداً على أن كل محاولات سحب هذه الوصاية ستنتهي إلى كومة من الفشل، نتيجة لتمسك الأردن بهذه الوصاية، والمسنود بدعم رسمي وشعبي فلسطيني.
وبيّن الهدمي، أن الإدارة الأميركية، هدفت من خلال خطتها المسمّاة «صفقة القرن» إلى تحقيق اختراق في قضية القدس، بمنح الاحتلال السيطرة الكاملة عليها، غير أنها اصطدمت بموقف فلسطيني وأردني صلب، ما أفشل هذه الخطة المؤامرة.
وإذا كان الأقصى ومقدساته عموماً، عزيزاً على قلب ووجدان كل عربي ومسلم، وهو كذلك، فقد حان الوقت كي تلتف الأمة العربية والإسلامية، حول الموقف الفلسطيني الأردني في الدفاع عنه، والرافض لصفقة القرن، الهادفة إلى تسهيل ابتلاع القدس ومقدساتها، وأن تتحرك كي توقف هذا العبث في بيت المقدس وأكنافه.
وطبقاً لهذا الموقف، فإن ما يجري في ملحمة القدس، يشكّل صرخة فلسطينية وأردنية مدوّية، يجب أن يسمعها العالم أجمع، بعد أن سمعها الاحتلال الغاصب، وحليفته أميركا، ومفادها أن لا أمن ولا استقرار في المنطقة، ما لم يتوقف الاحتلال عن ممارساته غير الأخلاقية، واللا مسؤولة، تجاه أقدس بقاع الأرض، أولى القبلتين، ومسجدها الأقصى المبارك.