لنسميه ربيعًا عربيًا!
فارس الحباشنة — ليس مهمًا تسميتها بسنوات الربيع العربي، ولكنها يمكن ان تسمى سنوات التمرد على حكم العصابة والاقلية. تمرد جماهيري وشعبي على حكم احزاب وسلطة طائفية وتنظيم سياسي وجماعات مع السنين تحولت الى مافيا حكم.
شعوب عربية دفعت ثمنا باهظا لانها اكتشفت ديناصورات السلطة. كيانات غريبة تكونت وتشكلت وترعرعت في ظلال السلطة ودهاليزها، وعندما اصابها سؤال الجماهير خرجت مرعوبة وسلت سيوف تسلطها على رقاب الجمهور.
شعوب عربية استهلكت باسم الوطنيات والقومية ورايات الاسلام، واخير بوهج الطائفية والاثنية. الشعوب العربية في النسخة الاولى والثانية من الربيع العربي اعلنت عن بحثها لخلاص ما.
رحلة الخلاص دخلت في مارثون من احتجاجات الدم والفوضى والثورات اللامنتهية. وحروب بين القوى السياسية التقليدية والاخوان، والسلطة العميقة، وطبقة البزنس، وتجار الثورات، وتدخلات اقليمية ودولية.
الجمهور الخائف كان هو الخاسر. ولكن في الجولة الثانية من الربيع العربي كانت خصائص الاحتجاج مختلفة، ورأينا ما وقع في السودان والجزائر والعراق ولبنان. لربما أن الجولة الثانية أحكمت واقعا سياسيا مختلفا مخالفا للجولة الاولى التي دخلت بها الجماهير والمجتمع في حروب بينية أو اشبه بحروب اهلية.
وصف الربيع العربي بأي الوصوف ليس هو منطق التاريخ. حركة الاحتجاج الشعبي بعد 2010 هزت كثيرا من الاسئلة الراكدة والعالقة في السياسة العربية.
احتكار السلطة هو النهج الذي واجه رفضا ومقاومة سياسية وشعبية. فكثير من الشعوب حلمت بحكم عادل ورشيد. وحلمت ان تنفك من قبضة مافيات السلطة، وان تصل الى طريق سلمي لتدوال السلطة.
من اكبر الجرائم التي تمارس في كثير من العالم العربي ليست بحث الثروات والمال العام المنهوب والمسروق انما بحق السلطة. جرائم سياسية لا تغتفر، بحيث تسمح قوانين بان تستقر وتتحكم وتعيد انتاج شخصيات بالدة وسخيفة وساذجة ومحروقة سياسيا وشعبيا، وللتصدر بالحديث عن الشأن العام وولاية شؤون العامة، فما اغربه من زمن عربي!
وهناك مجموعات في الطبقة السياسية العربية تحمل رايات تحمي مسمى وطني لحماية وجودها والتصاقها الابدي بكراسي السلطة، ولا يريدون ان يروا غيرهم على الكراسي. وفرغوا الديمقراطية والانتخابات والتعددية والتنوع من كل قيمه الايجابية والبنائية وطنيا.
حشدوا وشغلوا الماكينات لشيطنة أي خطاب موازٍ أو مغاير. وجعلوا من كل المصائر تدور في فلك نفوذهم ومصالحهم، والمصير مرتبط بوجودهم، وما دون ذلك يسمى في منظوقهم ابتزازا سياسيا واستغلالا واعتداء على المصالح الوطنية العليا، وكم نسمع هذه الشريط على الالسنة.
في سنوات الربيع العربي الممتدة والمتفاعلة المسألة سياسيا لم تكن اسقاط نظام. ولكن الجماهير والقوى السياسية كانت تلعب على الغاء ارضية الفساد وقوى المحسوبيات والتوريث السياسي والاستبداد والقمع والطبقة السياسية المتآكلة، ووبحثا اوسع عن حرية وكرامة وعدالة اجتماعية.
في الاردن ربيعنا كان مختلفا عن دول عربية كثيرة. و حقيقة ما حمى الاردن هو تاريخه الوطني، وارثه السياسي الناضج ديمقراطيا. واشكاليات اخرى تتعدى التفكير من منظور العقلي الامني البحت الى السياسي الوطني الذي لربما أن كثيرين لا يفقهون تفاصيله.
الاسئلة من زوايا السياسة اكثر قلقا في نبشها عن تاريخ مسكوت عنه، ومازال محفوظا في الذاكرة العامة ولم يقيد في تدوين وكتابة تاريخية. نسمع كثيرا، ولكن المهم ما قد سيكتبه التاريخ، وكم أن محكمة التاريخ عادلة ؟!