الإطار الدولي هو البديل عن( صفقة القرن) و التفرد الأمريكي ...!


بقلم / د. عبد الرحيم جاموس 
لاشك أن ما جاء في (صفقة القرن) التي قد  اعلنت  الرئاسة الأمريكية  عنها رسمياً في واشنطن مؤخرا بحضور  نتن ياهو ، والتي قد  اظهرت  مدى تطابق تلك الأفكار الواردة فيها ، مع رؤية اليمين الحاكم في الكيان الصهيوني (للسلام)، وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي ترجم مسبقا بمواقف الرئيس ترامب ونائبه مايك بنس بشأن مواضيع جوهرية مثل القدس واللاجئين والإستيطان والحدود ..الخ، والتي تمثل العناصر الموضوعية لأي إتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، و هي  بلا أدنى شك لن تجد القبول من أي طرف عربي   ذي شأن ، وفي مقدمته الفلسطينيين  و الذين عبروا صراحة ودون مواربة عن رفضهم التام والمطلق لهذه الأفكار والمواقف المنحازة ،  و خَرَجَتْ بالولايات المتحدة ، وأخرجتها عن دور الراعي والوسيط لعملية السلام ، ووضعتها في دور الطرف المتطرف في مواجهة الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي ، لما تمثله من إنحياز مطلق للرؤية وللمواقف التي يعبر عنها اليمين الحاكم في الكيان الصهيوني، ولما تمثله من إعتداء صارخ  على الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف  ، وإعتداء على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية كافة  بشأن الصراع العربي الإسرائيلي،  و تمثل استهتارا بالكل العربي الاسلامي والمسيحي  ، بل تمثل إرتداداً على سياسات الولايات المتحدة ومواقف رؤسائها السابقين ، بشأن مجمل قضايا الوضع النهائي .
من هنا تتضح مبررات الرفض الفلسطيني والعربي والدولي لهذه المواقف والأفكار التي تضمنتها (صفقة القرن) ، و لا يمكن بأي حال من الأحوال  أن تشكل عناصر اولية  لخطة سلام ، بقدر ما تمثل من شرعنة للإحتلال الإسرائيلي ، ودعم لنظام فصل عنصري مقيت ، و تدفع إلى تأجيج الصراع  و تهديد السلم والأمن في المنطقة العربية وغيرها من جديد.

لذا  إن إستمرار الولايات المتحدة بإعتبارها راعية للسلام أو لأي مفاوضات مستقبلية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بات ضربا من الخيال ،  بسبب  الإنحياز  الامريكي الأعمى للرؤية اليمينية الإسرائيلية  المتطرفة ، التي كشفت عنها  خطة صفقة القرن ،  يصبحُ من  الطبيعي إنهاء حالة الإستفراد الأمريكي بهذه المهمة ،  لعدم صلاحيتها لها، وبالتالي لابد من طرح وتقديم  تصور آخر يكفل إعادة الإعتبار لعملية السلام  ،  ويكون  قادرا على أن يحقق أهدافها وأغراضها في إنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، على أساس الإلتزام بقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية الخاصة به، وإحترام أسس المرجعية التفاوضية، التي يجب أن تحكمها والمتمثلة في:
(1)- إحترام مبدأ عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة.
(2)- عدم شرعية الإستيطان في أراضي الغير.
(3)- الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة أراضي فلسطينية محتلة وغير متنازع عليها.
(4)- الهدف من المفاوضات إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت في الرابع من حزيران للعام 1967م.
(5)- الإقرار بضرورة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194 لسنة 1948م.
(6)- تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حق تقرير المصير بإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية والتي ينطبق عليها ما ينطبق على بقية الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع.
(7)- توفير الضمانات الدولية لتنفيذ ما يتم الإتفاق عليه بين الطرفين.
(8)- توفير كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني كي يتمكن من إستكمال بناء مؤسساته الوطنية، بما يحقق الأمن والإستقرار والتنمية والرفاه للشعب الفلسطيني.
(9)- ضمان مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات لكلا الطرفين في أي إتفاق يمكن التوصل إليه بما يحقق مصلحة أمن وإستقرار الطرفين والمنطقة.

على ضوء هذه الأسس التي تكفل الحد الأدنى لنجاح أي عملية تفاوضية بين الطرفين ، فإنها تحتاج لإطار مؤتمر دولي تكون الولايات المتحدة جزء منه فقط ، مع بقية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ،  إضافة إلى تمثيل  عادل للمجموعة العربية تكون فيه (جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والأردن ولبنان) وتمثيل لحركة عدم الإنحياز و دول الإتحاد الأوروبي ، و مجموعة الدول الأمريكية  ودول المجموعة الإفريقية  بالإضافة الى الامم المتحدة ، مِثلَ هكذا إطار دولي ،  وإستناداً لتلك الأسس قد  يستطيع أن يرعى عملية تفاوضية جادة ، ينهي بها مرحلة المفاوضات العبثية و يضع حداً لسياسات الإستقواء والإستفراد وفرض الإملاءات ، التي لا يمكن لها أن تحقق التسوية والسلام والأمن بين الطرفين وفي المنطقة .
إن الدبلوماسية الفلسطينية والعربية عليها ان تَسعى  وتُفعل لإقرار   هذا الإطار  الدولي  الكفيل برعاية عملية السلام والعملية التفاوضية ، وإعادة الإعتبار لها ولأسسها التي تستطيع أن تكفل لهذه العملية تحقيق نتائجها المرجوة في التوصل إلى إتفاق سلام ،  وتسوية سلمية واقعية يمكن ان  يكتب لها النجاح، وأما بغير ذلك فإن كافة الجهود سوف تصطدم بالعقبات  الكأداء و ستذهب هدرا  في مهب الريح ، بل قد  تدفع إلى تأجيج الصراع من جديد  وتخلق المزيد من العقبات أمام تحقيق الأمن والسلام المفقود في المنطقة، وهكذا يكون الرّد العملي  على صفعة القرن...!

د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني 
06/02/2020