خطوة جديدة تقرب بغداد من موسكو.. ما السرّ؟
اليوم روسيا وقبلها الصين، تسعى الحكومة العراقية لتعزيز علاقاتها مع هاتين الدولتين في وقت يشوب الغموض مستقبل العلاقات العسكرية بين العراق والولايات المتحدة منذ مقتل قاسم سليماني في ضربة جوية أميركية بالقرب من مطار بغداد مطلع الشهر الماضي.
ويرى مراقبون أن توقيت هذه التحركات، تحمل عدة علامات استفهام في ظل محاولات قوى سياسية عراقية مقربة من إيران جرّ البلاد شيئا فشيئا إلى محور بعيد كل البعد عن واشنطن.
والخميس ذكرت وزارة الدفاع العراقية أن العراق وروسيا ناقشا آفاق تعميق التنسيق العسكري بينهما، عقب اجتماع جرى في بغداد بين رئيس أركان الجيش عثمان الغانمي والسفير الروسي في العراق مكسيم ماكسيموف، بالإضافة إلى ملحق دفاعي وصل حديثا.
وقال مسؤول رفيع المستوى في المخابرات العسكرية العراقية لوكالة أسوشيتد برس إن روسيا، من بين دول أخرى، تقدمت لتقديم الدعم العسكري في أعقاب العلاقات الأميركية العراقية المشحونة في أعقاب مقتل سليماني.
وقال المسؤول "هناك دول أعطت إشارات للعراق لدعمنا أو تزويدنا بطائرات استطلاع مثل روسيا وإيران".
وقبل ذلك صرح مسؤولون عسكريون عراقيون كبار لوكالة أسوشيتد برس هذا الأسبوع أن العراق أبلغ جيشه بعدم طلب المساعدة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العمليات المشتركة التي تستهدف تنظيم داعش.
وأيضا اعترف جنرال المارينز فرانك ماكنزي، أبرز قائد أميركي في الشرق الأوسط، مؤخرا بأن العلاقات مع العراق تمر "بفترة من الاضطراب".
ويقول الخبير العسكري العراقي أحمد الشريفي إن "مسألة تنوع مصادر السلاح مقبولة حتى من قبل الولايات المتحدة، والدليل على ذلك الجيش المصري، فمن حيث المبدأ هو حليف للولايات المتحدة لكن فيه تنوع سلاح غريب إيطالي وروسي وفرنسي وصيني وصولا إلى الأميركي".
ويضيف الشريفي لموقع الحرة "بالتالي إذا كان قرار تنويع مصادر التسليح يحمل أبعادا عسكرية ورفع مستوى القدرات فالأمر مقبول، وحتى الولايات المتحدة لن تعترض عليها".
ويتابع "لكن المشكلة تكمن في أن الحكومة العراقية بدأت مؤخرا تتعامل بحدية في علاقاتها الدولية، وباتت هناك رغبة واضحة تتمثل بالدخول في توازنات وتحالفات جديدة رغبة منها في إنهاء العلاقات مع الولايات المتحدة".
ويشير إلى أن "هذه التوجهات الارتجالية تأتي نزولا عند رغبة إيران وظهرت واضحة جدا في حكومة عادل عبد المهدي ويحاولون أن يبقوها في حكومة رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي".
ويؤكد الخبير العسكري العراقي أن "هذه التحركات والضغوط تمارس من أجل إجبار الولايات المتحدة على التفاوض مع إيران".
يرى الشريفي أن "هذه الرسائل تستفز الرأي العام العراقي، لأنها تغيب المصلحة العليا للوطن، وتظهر بما لا يقبل الشك أن صانع القرار السياسي في العراق غير مهتم باستقلالية البلاد ومصالحها ومنشغل فقط بكيفية حل أزمة الصراع بين طهران وواشنطن".
وردا على الغارة التي أسفرت عن مقتل سليماني في الثالث من يناير، أصدر البرلمان العراقي قرارا غير ملزم يدعو إلى سحب القوات الأميركية، وعلى إثر ذلك أوقف التحالف الذي تقوده الولايات ضد داعش عملياته المشتركة مع القوات العراقية لنحو ثلاثة أسابيع قبل أن يتم استئنافها مؤخرا.
ويشير الشريفي إلى أن التفاهمات مع روسيا "لن تنجح لأنها ستصدم بالاتفاقات المبرمة بين بغداد وواشنطن، خاصة وأن العراق ملتزم دوليا مع الولايات لمتحدة في مسألة العقيدة التسليحية والعقيدة القتالية للجيش".
ويعتقد الشريفي أن "مسألة التقارب العسكري مع روسيا يجري التلويح بها فقط لأن إمكانية تنفيذها على الأرض غير متاحة، لأنها تحتاج إلى قدرات مالية وغلى فلسفة واستراتيجيات بعيدة المدى في إدارة المؤسسة الأمنية والعسكرية".
بالإضافة لذلك يرى الشريفي أن "هذه التحركات تخالف تطلعات الشعب العراقي، ولا تستند إلى إجماع سياسي وأيضا هي ليست منطقية لأنها ليست في مصلحة العراق الوطنية ولافي مصلحة العراق ضمن التوازنات الإقليمية والدولية".
والمعادلة الأهم وفقا للشريفي تتمثل في أن "روسيا لا ترغب في اقتحام مجال حيوي للأميركيين كالعراق على سبيل المثال خوفا من ردة فعل واشنطن".
الشريفي تحدث عن نقطة أخرى تجعل من الصعب على العراق ترك حليف استراتيجي مثل الولايات المتحدة التي "تمتلك منظومة تحالفات تمتد من العراق والخليج وصولا الى حوض البحر المتوسط، وبالتالي هي تمتلك الجهد التقني الذي يمكن العراق أن يؤمن من خلاله مستلزمات السيادة بأبعادها الثلاث البرية والبحرية والجوية".
يشار إلى أن حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي أعلنت في الـ25 من سبتمبر الماضي توقيع ثمان اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات البنى التحتية والاتصالات والصناعة والأمن والطاقة مع الصين.
وأثار توقيع الاتفاقية، التي ظلت بنودها غير معلنة لغاية الآن، ردود أفعال متباينة في الشارع العراقي فالبعض حذر من أنها قد تكبل الاقتصاد العراقي بالديون وترهن النفط لسنين عديدة، فيما ذهب البعض أبعد من ذلك معتبرة إنها وقعت بضغط إيراني.
وما يعزز هذه الفرضية هو أن جميع القوى السياسية العراقية المقربة من إيران والقنوات الإعلامية التابعة لها تروج لأهمية الاتفاقية مع الصين والآثار الإيجابية "الجبارة" التي يمكن تنعكس على العراق في حال مضى قدما في تنفيذها.
وشهد العراق منذ أكتوبر الماضي تظاهرات حاشدة ضد السطوة الإيرانية في البلاد سقط فيها أكثر من 500 قتيل أغلبهم برصاص ميليشيات إيران.
ونددت واشنطن في أكثر من مناسبة بالانتهاكات ضد المتظاهرين في العراق، في حين لم يصدر من القوى التي تتقرب منها بغداد مثل الصين وروسيا أي ردود أفعال.