الفلسطينييون يجابهون تفرد ترامب !


بقلم : ميساء ابو زيدان

   إلى الولايات المتحدة غادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس حيث سيتم تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن من قِبل المجموعة العربية ومجموعة عدم الانحياز في مسعىً للتصويت ضد خطة ترامب - نتنياهو والتي تم طرحها كخطة للسلام، بيد أنها وبإجماعٍ دولي تأتي لتقضي على فرص السلام المتبقية وتنسف جملة المحددات التي أقرتها الشرعة الدولية مرجعاً لحل الصراع العربي-الإسرائيلي.  هذ التحرك يأتي ضمن سلسلة خطوات انطلقت  فور إعلان ما سميّ (بصفقة القرن) من القاهرة حين عُقد اجتماعاً طارئاً لوزراء الخارجية العرب والذي جسّدَ مركزية القضية عربياً. 
    توجه الرئيس لمقر الأمم المتحدة في نيويورك  ياتي ليعلن مرةً أخرى رفض الشعب الفلسطيني المحاولات المستهدِفة لثوابته ووجوده على ما تبقى له من أرضه إبّان المظلمة التاريخية التي مررت الجريمة التي ارتُكبت بحقه عام 1948، ومن قلب الإطار الذي يجسد الإرادة الدولية سيعلي الصوت الفلسطيني منبهاً المجتمع الدولي من تلك السياسيات المتفردة والمتلاعبة بمصائر الشعوب والتي لن تؤدي إلا لمزيدٍ من المآسي في حال تم التنكر للحقوق الشرعية الفلسطينيين وعدم إيجاد حل عادل لها سيقف حائلاً أمام استقرار الشرق الأوسط وبناء السلام لشعوبه. 
    سيوجه الرئيس محمود عباس رسالته للعالم متسلحاً بالموقف الفلسطيني المجتمع على استحالة تمريره لأيّ من تلك التوجهات الرامية لتصفية قضيته، كما الموقف العربي المُسنِد والمؤكِد على رفضه (لصفقة القرن) وكذلك بموقف منظمة التعاون الإسلامي التي أعلنت في ختام جلستها الاستثنائية التي عقدت في جدة الاثنين الماضي رفضها لتلك الخطة، إضافةً لدول الاتحاد الأوروبي الرافضة لكل اجتهادٍ يحيد عن المرجعيات التي أقرتها الشرعية الدولية كقاعدة أساس لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. اللافت في هذا المقام هو الموقف البريطاني حيث طالبَ (133) عضواً في البرلمان البريطاني رئيس حكومتهم بوريس جونسون برفض هذه الخطة التي ستزيد حسب قناعاتهم من مآسي الشعب الفلسطيني، كذلك الموقف الروسي والصيني ومعظم الدول الآسيوية والأفريقية والعديد من دول العالم الرافضة للصفقة والتي تعكس محاولة التفرد بالإرادة الدولية خدمةً لمصالح حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. ليأتي موقف (107) من أعضاء الكونغرس الأمريكي الذي يكلل ما سبق من مواقف وعبر رسالةٍ وجهوها لإدارتهم  أدانوا من خلالها و"بشدة" خطة ترامب وحذروا من اعتبارها تصريحاً للحكومة الإسرائيلية لانتهاك القانون الدولي بل وتعميق النزاع لا حله. 
   إلى جانب ذلك كله وفي موقفٍ يتجاوز ولأول مرة في تاريخ القضية الفلسطيني المعاصر المعهود بمسار العلاقات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، يدور الحديث عن عقد مؤتمرٍ صحفي بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الأمن المغلقة، حيث سيقوم الأخير والذي يمثل على ما يبدو المعسكر الندّ لمعسكر اليمين المتطرف في إسرائيل بالتأكيد على استحالة تحقيق السلام وفق الخطة التي صيغت ضمن غرف جمعت ممثل اليمين المتطرف بنيامين نتنياهو ومستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، وسيوضح أولمرت بأن الخطة وحسب اعتقاده لا تتعدَ كونها جاءت خدمةً لنتنياهو في حملته الإنتخابية  وبأنها " لا يمكن أن تصبح أساساً لحل الصراع مع الفلسطينيين" وسيبذل جهوده في حملة مشتركة لرفضها كونها لا تُعدّ تسوية واقعية للصراع، وللتأكيد على أنه هناك الكثير من الحلول الممكنة والتي بإمكانها أن تفضي لاتفاق سلام واقعي وشامل بين الفلسطينيين والعرب وبين إسرائيل.
   هذه التحركات تظهر  قدرة الفلسطينيين على إدارة الأزمة، رغم محاولات حكومة نتنياهو استدراج الطرف الفلسطيني نحو فخ تصعيد الأوضاع ميدانياً في تكرارٍ لما تمَ أواخر العام 2000 حيث اندلعت الانتفاضة الثانية والتي استُنزف فيها الفلسطينيين حدّ الإنهاك. وتبرز المحاولات تلك إعلامياً وعبر خطاب الإسرائيليين الذي يهدف لتسجيل ثلاثة نقاط في شِباك الفلسطينيين تتمثل في محاولة نزع ثقة الفلسطينيين بإرادتهم الوطنية وقيادتهم، وثانياً تأجيج العنف لدى الطرف الفلسطيني لإفقاده زمام الأمور وإخراج المشهد الذي يُوصَم فيه الفلسطينيين بالإرهاب أمام المجتمع العالم، وثالثاً ضرب علاقات الفلسطينيين بأشقائهم لسلخهم عن محيطهم وحاضنتهم العربية.
   ولمواجهة هذه التحديات فإن إعادة اللحمة بين القوى الوطنية وجمع الشعب الفلسطيني على رؤية موحدة لتحديد خياراته المُتاحة ليواجه الضغوطات والمحاولات الرامية لتصفية قضيته ووجوده، تعتبر نقطة بداية تساهم في تعزيز الصمود وإفشال محاولات نتنياهو حشر شعبنا في خانة التعثر والخسارة.