الطراونة: الأردن ثابت بالتمسك بحل الدولتين

قال رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة ان القدس ليست للمساومة، فالقضيةُ بالنسبة لنا قضيةَ وجود وعقيدة وهوية، ولن نفرط بها، ملتفين خلف قائدنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وجيشنا وأجهزتنا الأمنية، متسلحين أيضا بوعي شعبنا، في الدفاع عن قضيتنا.
حديث الطراونة جاء خلال المحاضرة التي القاها بكلية القيادة و الأركان الملكية الأردنية بحضور امر الكلية العميد الركن الطيار محمد على الصمادي و 175 طالبا اردنيا و 104 طالب من الدول الشقيقة و الصديقة.

وقال الطراونة ” في الأذهان تساؤلات كثيرة، وآمال وتطلعات مشروعة، تدور حول وضعنا الاقتصادي، والتحديات المحيطة بنا، وبعد هذا تبرز تساؤلات أخرى، عن صفقة القرن وسواها مما يحاك للقضية الفلسطينية من محاولات مستمرة لتصفيتها وضياع الحق التاريخي والشرعي لشعبها، وأثر ذلك على الأردن، ووسط هذا كله نقف أمام محيط سمته التقلب والتموضع المفاجئ، وتعاظم الأحلاف التي ترى في منطقتنا مسرحا لحروب الوكالات، وأمام حالة داخلية سمتها العامة التشاؤم وفقدان الثقة، فالناس لا ترى المنجز بقدر ما تتطلع إلى العقبات والثغرات، وهذا نظريا يعد طبيعةً في البشر على اختلاف مشاربهم، وفي حالتنا الأردنية، يستوجب التفكيك والتحليل وصولاً إلى الحلول التي تنقلنا إلى حالة التفاؤل المأمولة واستعادة الثقة بمؤسساتنا الوطنية، وهذا لا يتأتى مطلقا إلا إذا تحقق الإنجاز، وتلمس الناس آثاره بشكل مباشر على معيشتهم ” .
وزاد الطراونة قائلا ” عند هذا المفصل يوجه جلالة الملك الحكومات إلى أن يلمس المواطن أثر الإجراءات وأن تنعكس مباشرة على واقعه، وعليه فإنه حري بنا في مختلف مواقع المسؤولية، في الحكومة ومجلس النواب، ومن بعد في خطوط الإسناد الوطنية من قطاع خاص وأحزاب ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني، أن نتكاتف وأن نحدد آليات واضحة لتنفيذ برامجنا وأولوياتنا الوطنية بإطار زمني واضح، وهنا لا نحتاج لكثير من العناء لتحديد تلك الأولويات، بل تكمن المشكلة في التطبيق، فخطابات العرش السامي دائما ما تضع الخطوط العامة لمسارات الحكومات، وهي ترسم شكلا واضحا وعميقا للأولويات الوطنية، وتوجه وفق رؤية مستشرفة ما نحتاجه، ليبقى الرهان على أدوات التنفيذ والرقابة، وهي متلازمة دستورية، الحكومة تنفذ والبرلمان يراقب ويشرع ".
وتابع ان من أن أهم أولوياتنا تقوية دعائم اقتصادنا الوطني، فمتى ما استغنينا بذاتنا عن سوانا نكون في مأمن عن الأخطار، ولكي نحقق هذه الغاية فمطلوب منا أن نشرع فورا بإصلاح إداري شامل، لافتا الى ان فالفساد الإداري لا يقل ضررا عن المالي، بل هو البوابة لمختلف أشكال الفساد، والعمل على إيجاد حلول نبتعد فيها عن جيب المواطن، وإطلاق شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، وتطوير منظومة الاستثمار، وتوطين الاستثمار الأردني المغترب وتحفيزه، وتمكين الشباب الأردني عبر مواصلة الإصلاحات التعليمية بموائمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، وتوفير الدعم الكافي لإقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتمكين المرأة والشباب، وإطلاق الطاقات أمام استثمار الموقع والبيئة السياحية الأردنية، فهذا منجمٌ وطني لو أُحسنت إدارته لكان المردود كبيرا وفي سنوات قليلة.
تدركون معي أن بلدنا يعاني من ضغوطات كبيرة جراء مواقفه الثابتة والمعلنة والصلبة تجاه القضية الفلسطينية والدفاع عن القدس، وهنا نجدد تمسكنا بتلك الثوابت .
وقال الطراونة ” إن مسارنا لمواجهة أي صفقة يكون بتقوية اقتصادنا، وتمتين جبهتنا الداخلية، ووحدتنا الوطنية،والوقوف خلف قيادتنا صفا واحدا، وعدم الارتهان للإشاعات وخرافات الوطن البديل والتوطين، فلن نقبل بالأردن إلا بحل عادل شامل على أساس حل الدولتين، حلا يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، حلا يضمن حق العودة والتعويض للاجئين، حلا يوقف تهويد الأرض، ويوقف التوسع الاستيطاني، وبغير ذلك فإن الحديث عن السلام لا قيمة له ولا طائل منه ".
وأكد الطراونة أن صمودنا طيلة السنوات الماضية، حيث كان قدرنا دوما أن نكون السند للأشقاء في استقبال موجة اللجوء من الشقيقة سوريا، واسناد العراق في حربه على الإرهاب، إنما هو مدعاة لنا كي نثق بأنفسنا وبمقدرة بلادنا على الصمود، فقد تعاظمت الأحلاف وكثرت الضغوطات، ورغم هذا كنا نقول بلغة واضحة وصوت مسموع، نجوع ولا نفرط بذرة من تراب القدس.

وقال الطراونة ” قبل أيام انتهت أعمال الدورة الطارئة للاتحاد البرلماني العربي في عمان، فكنا نعكس إرادة الشعوب في رفض الصفقة المزعومة التي تهضم في بنودها الحق الفلسطيني، فاستطاعت عمان أن تعيد الزخم والأولوية للقضية الفلسطينية على أجندة القرار العربي، فلا نرى سواها قضيةً أهم، ولا نرى سواها قضية يمكن أن تجمع صفنا العربي، وخرجنا بميثاق في بياننا الختامي برفض التطبيع مع المحتل، ورفض الصفقة المشؤومة، والتمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ".
وفي إطار الإجراءات المتخذة لدعم القضية الفلسطينية، بين الطراونة انه تم القيام بمخاطبة الاتحادات والبرلمانات الدولية، بلغة مدعمة بالحجة والبرهان، ومفصلة بكل قرار أممي يعترف بالحق الفلسطيني، مطالبين بضغطهم على حكومات بلدانهم من أجل رفض أي تسوية تصادر الحق الفلسطيني، ليكون مجلس النواب بذلك معبرا عن ضمير ووجدان الشعب الأردني الرافض لكل أشكال التسويات المعلبة تلك التي يتفق فيها الطرف الجاني الغاشم المعتدي مع طرف تخلى عن دوره وسيطا نزيها في معادلة السلام، ليكون الاتفاق بذلك من طرف واحد، مستثنيا أصحاب الحق والتاريخ والقضية.

و زاد الطراونة قائلا ” وإذ أدخل الان في صميم مساقنا، حول "دور السلطة التشريعية في النظام السياسي ” فمن المهم اليوم التذكير بأننا وبناء على توجيهات جلالة الملك ما نزال نعمل وفق مسارات متلازمة نحو الإصلاحات الشاملة، ففي الوقت الذي قرع فيه جلالة الملك جرس الإنذار مبكرا، مطالبا بتصويب كل الاختلالات في التشريعات الاقتصادية، وتحفيز النشاط الاقتصادي الوطني باتجاه جلب الاستثمار ورفع مؤشرات النمو والتنمية، ها نحن نواصل مسيرة الإصلاحات السياسية عبر منظومة من التشريعات التي تصب في إطار تهيئة البيئة المناسبة لتحفيز الاستثمار وتحقيق مستويات مأمولة من النمو الاقتصادي، على طريق تحقيق التنمية المستدامة، تلازم ذلك مع حزمة إجراءات حكومية اقتصادية، نأمل أن تسهم في تحقيق الهدف المرجو بالتخفيف عن المواطنين، وتحفيز القطاعات الراكدة، وتحريك عجلة السوق ".
وبين الطراونة ان عبورنا للتحديات ما كان ليكون لولا مشيئة ورعاية الله أولا، ومن ثم الخطوات الإصلاحية التي وجه بها جلالة الملك عبد الله الثاني، عبر تعديل ثلث مواد الدستور في العام 2011، وهي توجيهات عكست حقا جدية الإرادة السياسية في الإصلاح والتحديث والتطوير، وأمام كل ذلك كان هنالك شعب عظيم قدم من التضحيات الكثير، وقوات مسلحةٌ، وأجهزة أمنية نذرت أفرادها للدفاع عن ثرى هذا الوطن، ما شكل دعما لمسيرة الإصلاحات التي من أولى متطلباتها تكريس مفهوم الأمن والاستقرار الذي ننعم به جميعا.
وأضاف انه في الفترة التي كانت المملكة منشغلة برسم ملامح دولة المؤسسات والقانون، منذ عهد الملك المؤسس عبد الله الأول، مرورا بأبي الدستور الملك طلال، حتى عهد الراحل الكبير الحسين الباني، وصولا لعهد جلالة الملك عبد الله الثاني، فقد شهدت منطقتنا العربية ودول الجوار مخاض الاستقرار، وما أن شهدت تلك الدول استقرارا نسبيا حتى أصابها عجاج التحولات والتغييرات، وعصف بها مؤخرا ربيع تلوث بمخططات الإرهاب والغرباء
ولفت الطراونة الى انه تتوجب الإشارة أن المملكة، ومنذ عهد التأسيس انتهجت البناء الوطني نهجا مغايرا تماما، وقامت الفكرة المحورية في دستورنا على التمثيل الشعبي في المجالس النيابية فكانت المشاركة الشعبية من خلال الاقتراع والتصويت لاختيار المجالس النيابية منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي، وهي خطوة الوعي المبكر في مسيرتنا الديمقراطية، ما جعل النظام السياسي مكملا ومتضامنا مع شعبه، لا مُعطلا لتطلعاته وطموحاته
وقال ” إن التمعن في تفاصيل دستورنا، وما اشتمل عليه من فكر تنظيمي بلغة تشريعية حصيفة، تقودنا لاستخلاص النتيجة التي نعيشها اليوم، فالشعب الأردني تفتح وعيه مبكرا على المشاركة السياسية، وهو ما جعلنا نملك حسا فطريا في التعامل مع الحريات العامة المسؤولة، كيف لا، وقد نصت المادة 24 من الدستور وفي الفقرة الأولى منها بأن: الأمة مصدر السلطات، والسلطات عندنا موزعة على المسؤوليات بفصل متوازن، ودقة مرصودة، فسلطاتنا الدستورية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، هي ناتج جمع الحكمة والحكم في العمل الدستوري، روحا ونصا ".

وزاد الطراونة ” تعلمون أن مجلس النواب هو صاحب سلطة إلى جانب مجلس الأعيان، في إعداد وتصميم التشريعات الناظمة للأداء الشمولي في الدولة، وهو المراقب على أداء الحكومات وقراراتها وإجراءاتها في هذا المجال، ويملك سلطة منح الثقة للحكومات، ونزعها منها أو من أي من وزرائها، وهو شريك دستوري إلى جانب مجلس الأعيان، في مناقشة وإقرار أو رفض الموازنات العامة للدولة، وهو صاحب رأي في مجمل السياسات العامة للدولة، داخليا وخارجيا، بمعنى أن مجلس النواب، يملك صلاحيات أساسية في تحديد جوهر وشكل المسار العام للدولة، وبالتالي فهو يحتل الموقع المتقدم في تصميم السياسات الوطنية، بمعنى أن تلك السياسات، لا يمكن لها أن تجد طريقها الى التنفيذ، إلا بموافقة البرلمان بشقيه النواب والأعيان في حالات محددة دستوريا، ومن أبرزها الموازنة العامة للدولة، وإلا بموافقة مجلس النواب منفردا، كما في حالة الثقة بالحكومات ” .

وقال إن من ركائز نظامنا السياسي وأهم دعائمه، وجود الملك على رأس السلطات الثلاث، مبينا إن الدستور الأردني، وما طرأ عليه من تعديلات خلال العقود الماضية، كان وما يزال وسيبقى بإذن الله، غاية في سمو الفكرة وبعد النظر ونزاهة الرأي، فهو دستور جامع يحاكي الحاضر ويستشرف المستقبل، وظل على الدوام موضع احترام والتزام كاملين، ونحن نفخر اليوم، بأن لدينا محكمة دستورية، تختص بتفسير أحكام الدستور، بعد أن كان المجلس العالي لتفسير الدستور، يتولى هذه المهمة الجليلة، لعقود عديدة خلت.

وأشار أن الدستور الأردني الذي أبرز وبشكل خاص، دور ومهام مجلس النواب، ينطوي على روح إنسانية معمقة في الرؤية والقرار، أكثر مما يمثل من الألفاظ والعبارات، أي أن هذا الدستور، روحا ومعنى أكثر منه كلمات، فهو يحفظ الحقوق، ويجلي الأدوار، ويفصل بين السلطات، ويؤكد على تكامل أدوارها، ويمنع هيمنة أي منها على الأخرى، ثم يترك لكل منها ممارسة دورها كاملا غير منقوص، ويضع الكرة في ملعب كل منها إن هي قصرت أو تخاذلت في أداء المهمة.

وقال الطراونة ” هنا لا أمارس فلسفة الطرح، بقدر ما أُقر حقائق ناصعة، خاصة وأن هذا البلد العزيز، عانى من ظلم القريب والبعيد كثيرا، وهو ظلم إما ناتج عن جهل بالمضمون، أو هو ظلم مقصود، وهو ظلم يقرأ المشهد العام للدولة الأردنية، كما لو كان دستورها مصمما لوضع كامل الصلاحيات والسلطات بيد القيادة العليا للدولة، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فالأمة هي حقا مصدر السلطات ".

وقال في ختام المحاضرة ” أن المستقبل المأمول سيتحقق بإذن الله، طالما بقينا صفا واحدا خلف قيادتنا، ولسوف نرى في قابل السنوات كيف أن هذا البلد بعزيمة أهله وجيشه وأجهزته، قد تجاوز التحديات، وما ذلك على الله ببعيد ".