عودة “داعش” وأخواتها

قالت تقارير غربية الأسبوع الماضي إن مؤشرات عديدة باتت تتعمق تدل على تنامي قوة تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” في سورية والعراق، هذا ما جاء في تقرير البنتاجون الأميركي الذي حذر من أن التنظيم اخذ يستعيد قوته العسكرية وإعادة انتشار خلاياه النائمة، يأتي ذلك بعد عام ونصف من إعلان الحكومة العراقية انتصارها على "داعش ” حيث شهد العام 2018 ومطلع 2019 تحقيق انتصارات كبرى على هذا التنظيم الإرهابي كسرت شوكته ولكنها لم تقتلعه من الأرض، وعلى الرغم من الإعلانات الرسمية المتكررة عن نهاية التنظيم الا اننا لم نلمس شواهد على الأرض تؤكد هذه النتيجة، الأمر الأكثر وضوحا تمثل في انسحاب الإعلام الاقليمي والعالمي من تغطية شؤون الجماعات المتطرفة وتراجع الاهتمام في طرح الاسئلة الكبرى حول مصير عشرات الآلاف من عناصر هذا التنظيم الذي كان لوقت قريب شاغل الناس والدول والامم.
قبل ذلك أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن تنظيم ” داعش ” ما يزال يملك الرجال والأموال التي تمكنه من تمويل عملياته واستعادة نشاطه، وعلى رغم فقدان التنظيم عوائد النفط الذي كان يتاجر فيه إلا انه ما يزال يمتلك أكثر من 300 مليون دولار ويتاجر في سمسرة الحوالات المالية حسب تقرير الأمم المتحدة، كما تكررت هذه التحذيرات في الأسابيع الأخيرة في تقارير صحفية أميركية من العراق.
في المقابل هناك وجهات نظر اخرى تقول إن التقارير الغربية لا تعكس الا اجندات الهيمنة الأميركية واستخدامها لهذه التنظيمات لتحقيق مصالحها، وتسوق في هذا المجال ان الولايات المتحدة التي بدأت بسحب قواتها من سورية، طالبت الحكومة العراقية بانشاء عشرين قاعدة عسكرية ثابته رفضها البرلمان العراقي. وترى وجهة النظر هذه ان التنظيم فقد جل عناصره البشرية وفقد الجغرافيا وفقد مصادر التمويل التي كانت تقدر بنحو 5 ملايين دولار يوميا من تجارة النفط والآثار وغيرهما.
كانت التقديرات تشير الى فقدان التنظيم نحو 98 % من الاراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسورية مع بداية هذا العام، حيث بدأ المسار الفعلي لنهاية التنظيم في الربع الاخير من العام الماضي.
في مقابل كل الإنجازات التي تتحقق في سورية والعراق كشفت تقارير أخرى عن تنامي قوة تنظيم داعش في غرب أفريقيا، خاصة بعد أن زاد تقاربها مع جماعة بوكو حرام النيجيرية، التي سبق أن بايعت التنظيم الإرهابي. فيما يزداد تنظيم بوكو حرام تشددا وتقربا من السلوك الإرهابي الذي اتبعه تنظيم داعش.
هناك تقديرات ان التنظيم ما يزال يحتفظ بنحو 10 آلاف مقاتل في سورية على الاقل، فيما لا توجد تقديرات حقيقية  د.باسم الطويسي


حول عدد عناصر التنظيم في غرب افريقيا وفي سيناء وليبيا واليمن وغيرها، وتذهب اطروحة اخرى ان هذا النمط من التنظيمات المتطرفة لا تبني استراتيجياتها على الاحتفاظ بالارض أي ان خسائر تنظيم داعش الحقيقية تكون في انحصار فكره وليس في خسارته للأرض.
وهنا الخطورة الحقيقية التي ستواجه المنطقة وتحديدا البلدان المجاورة للعراق وسورية إذ لا توجد ايضا قدرة لمعرفة اعداد عناصر التنظيم الذين دخلوا إلى سورية والعراق بدون وثائق وربما خرجوا منها بوثائق مزيفة، ثمة معركة استخبارية كبرى من المفترض ان دول الاقليم تخوضها حاليا، وستحسم مسألة حالة اللايقين السائدة اليوم حول نهاية هذه التنظيمات ام عودتها.
أكثر الأمور حساسية ان ثمة انتصارات فعليا انجزت وانحصر التنظيم الى ابعد الحدود، ولكن الأمر الأخطر على الاطلاق ان مناطق غرب العراق والبادية السورية التي كانت توصف عادة بحواضن هذه التنظيمات ما تزال على استعداد لممارسة هذا الدور فهي لم تشهد اعمارا حقيقيا ولا عودة فعلية للاستقرار ولم تنصف في المعادلات السياسية الجديدة، الأمر الاخر ان هذا النوع من التنظيمات لا يعتمد على الجغرافيا بل على الفكر في الوقت الذي تراجعت كل خطط مكافحة التطرف ووضعت في معظم الدول المجاورة على الرف.