التحفيز الحكومي المالي: ما سبل تحقيقه؟
هناك شبه اجماع عالمي على الأثر الاقتصادي المدمر لفيروس الكورونا المستجد بسبب انقطاع الحياة الاعتيادية على مستوى العالم. بحسب تحليل لوحدة الايكونومست للأبحاث فان توقعات الانكماش الاقتصادي العالمي تشمل انكماش الاقتصاد الصيني بنسبة 10 الى 20% في اول شهرين من 2020 . مع توقعات بانكماش مماثل في اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى من اميركا الى الاتحاد الاوروبي. وبات المراقبون في اميركا يتوقعون خسارة اكثر من مليوني أميركي لوظائفهم خلال الأشهر القليلة القادمة بحسب تقرير لسي ان ان.
لا بديل عن التدخل المالي التحفيزي العميق من قبل الحكومات حيث بين تقرير حديث من مجلة الايكونومست ان حكومات اميركا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا أعلنت عن تحفيز مالي يتجاوز 7 تريليون دولار في دولها يتوزع ما بين تخفيض ضرائب وزيادة صرف حكومي وضمان قروض. مشكلا نسبة الربع تقريبا من حجم اقتصاديات هذه الدول الخمسة. الإدارة الأميركية مثلا تتحدث عن صرف حكومي إضافي بقيمة تريليون دولار يشمل دفعات نقدية مباشرة لملايين العائلات الأميركية بينما تتحدث الحكومة البريطانية عن تحمل رواتب العاملين في القطاعات المضروبة بدلا من الشركات لعدة اشهر.
الأردن ليس بمعزل عن هذا الانكماش العالمي المتوقع ويجب التحضير الجدي لتباطؤ او انكماش اقتصادي مقبل. وعلى عكس حكومات الدول الصناعية فان مجال المناورة لحكومتنا محدود جدا من منظور التحفيز المالي بسبب عدم قدرتها على التوسع الكبير في الاقتراض الخارجي او الداخلي. ولربما يجب ان تستغل الديبلوماسية الأردنية الحوافز الكبيرة القادمة في الدول الصناعية إيجابيا في السياق الأردني خصوصا وان هذه الدول الصناعية كلها من الدول الصديقة للأردن وتملك نسبة كبيرة من ديون الأردن الخارجية.
تأجيل الدين الحكومي الخارجي بحسب نشرة وزارة المالية الشهرية مع نهاية 2019 تجاوزت قروض الأردن الحكومية الخارجية 12 مليار دينار منها ستة مليارات دينار سندات حكومية بالدولار واكثر من مليارين للبنك الدولي و حوالي مليارين للدول الصناعية (معظمها لألمانيا واليابان وفرنسا) و365 مليون دينار لصناديق تنمية عربية. وبلغت خدمة الدين العام الخارجي اكثر من ملياري دينار عام 2019 منها 404 مليون دينار فوائد مدفوعة. مقارنة بفوائد 357 مليون دينار في 2018.
في سياق قيام حكومات الدول الصناعية ببرامج تحفيزية بقيمة تتجاوز 7000 مليار دولار يجب ان تحاول الديبلوماسية الأردنية تحصيل فترة سماح لمدة سنة او سنتين او اكثر من دفع أقساط وفوائد كل القروض الخارجية لتوفير مبالغ كبيره سنويا. مع إعطاء الدول التي تمنحنا فترة السماح هذه حافز مقبول بإعفاء كل البضائع الرأسمالية _من الدول التي تؤجل قروضها لحكومتنا_ من كل الجمارك والضرائب والرسوم لنفس مده تأجيل الديون مع تقديم معاملة تفضيلية لشركاتهم في كل المشاريع الحكومية الرأسمالية.
هكذا تأجيل للديون الخارجية سيساعد بتوفير عبء سنوي كبير على ميزان المدفوعات واحتياطي العملات والميزانية الحكومية وبذات الوقت يحفز مستورداتنا من تلك الدول من السلع الرأسمالية الإنتاجية. فيكون أيضا جزء من تحفيز اقتصاديات تلك الدول الصناعية بالإضافة لكونه مساعدة كبيرة للاقتصاد الاردني. مما سيشجع اصحاب المشاريع تحت الانشاء في الأردن على الاستمرار في بناء مشاريعهم الصناعية والزراعية والسياحية.
فترة السماح هذه ان حدثت قد تقلل العبء على الحكومة بأكثر من 700 مليون دينار سنويا. مع التسليم بانخفاض متوقع في التحصيلات الضريبية قد تستطيع الحكومة صرف معظم هذه الأموال في تحفيز مالي للاقتصاد عبر مشاريع رأسمالية حيوية. مثلا في النقل العام يمكن البدء بإنشاء سكة الحديد بين العقبة وعمان للبضائع والنفط وغيرها من المشاريع الحيوية التي تدعم الاقتصاد.
أموال المؤسسات غير الربحية الصحية في هذه الظروف الاستثنائية يجب كذلك تحليل وتدقيق ميزانيات وحسابات كل المؤسسات غير الربحية في الأردن خصوصا تلك التي تعتمد على المساعدات والمنح. وبعدها تحويل أي أموال لها في خارج الأردن الى الأردن واستثمارها في القطاع الصحي الأردني بزيادة عدد وحدات العناية الحثيثة والسعات السريرية للمساهمة في زيادة قدرة الأردن على التصدي للوباء الحالي واية ظروف مستقبلية لضمان العودة بأسرع وقت ممكن للحياة الطبيعية. خصوصا عندما تكون هذه المؤسسات غير الربحية تعمل في القطاع الصحي او الإنساني.
اقتطاعات الضمان الاجتماعي يجب كذلك دعم القطاع الخاص والعاملين في القطاع الخاص عبر تخفيض دائم لاقتطاعات الضمان الاجتماعي الى مستوى 2014 على الأقل أي الى 6.75% على الموظف بدلا من 7.5% و 12.75 % على الشركات بدلا من 14.25% بدون أي تعديل على المنافع التأمينية. ليصبح العبء كما كان في 2014 باجمالي 19.5% من الراتب بدلا من 21.75% . حيث ان الزيادة في 2014 كانت للإبقاء على التقاعد المبكر والذي تم الغاؤه عمليا برفع السن الى 55 عام في اخر تعديل للقانون. وربما يمكن كذلك تخفيض كامل الاقتطاع مؤقتا الى 12% من الراتب لباقي 2020 لتحفيز الشركات على الإبقاء ما امكن على الموظفين. خصوصا وان كل عامل يخسر وظيفته سيحرم الضمان من اقتطاعاته الشهرية ويكلف صندوق كذلك رواتب التعطل عن العمل. هذا سيبقى في جيوب الموظفين والشركات اكثر من 400 مليون دينار في 2020 ستساهم حتما في تحريك عجلة الاقتصاد في ظل هذه الظروف الصعبة.
الاحتكارات طبعا كل النقاط أعلاه لا تغني عن الحاجة الى معالجة جذرية عميقة لكل احتكارات الاقتصاد الأردني بإنهائها في اسرع وقت ممكن لتحرير الاقتصاد من قيودها لنستفيد من ابداع الأردنيين في تطوير بلدهم واقتصاده في اطر تنافسية عادلة. مثل احتكارات الطاقة والنقل والاعلانات والأسواق الزراعية وغيرها. بالإضافة الى احتكارات النقابات المهنية ومنها على سبيل المثال لا الحصر قدرة نقابة المحامين على تغريم الشركات لعدم التعاقد مع مستشار قانوني حتى لو لم تحتاج الى مستشار قانوني بسبب عدم وجود قضايا لها في المحاكم.