السياحة في الأردن ، من الاحتواء الى التنشيط
اصبح واضحا للكثير اننا نمر اليوم بمرحلة حساسة في مواجهتنا مع الكورونا . فهناك مهمتين أساسيتين علينا إنجازهما و الان ،
١ . مهمة الاحتواء ، و التي تتعلق باحتواء المرض و منعه من الانتشار و حصد الأرواح
٢ . مهمة الانتعاش ، و التي تتعلق بالاستعداد لعودة الحياة و الحيوية و النشاط للاقتصادي
فأزمة كورونا أنتجت حزمة متكاملة من التأثيرات الصحية والاقتصادية و الاجتماعية و حتى السياسية و يجب ان تدرس مع بعضها البعض
. فالحياة بعد كورونا لن تكون كما الحياة قبل كورونا
و في. الوقت الذي اعترف العالم لنا بتمييز الأداء الحكومي ، كما الشعبي ،بشكل عام ، في مهمة الاحتواء ، فاننا مازلنا غير واضحين فيما يتعلق بالمهمة التالية و هي الانتعاش ، ليس لاننا غير قادرين على ذلك ، ولكن ربما لاننا ركزنا على الأولوية الأهم و هي ،الاحتواء . و هذا امر طبيعي فالأولوية يجب ان تكون لالحفاظ على حياة الناس و صحتهم، فلا معنى لأي شيء إذا خسرنا حياتنا ، وقد قامت الحكومة بعمل كبير في هذا المجال ، لا بد لنا من الاعتراف به ، و أهمها ان جسور الثقة بين الحكومة و الشعب ، بدأت تعود لها لحمتها التي افتقدناها لمدة طويلة .
و لكننا اليوم أمام تحدي كبير اخر ، ربما يكون اكثر تعقيدا من المهمة الأولى ، فالاحتواء لم ينتهي بعد ولا احد يستطيع ان يقول متى وكيف نرى نهاية لهذه المرحلة . و لكن الذي يبدو واضحًا انن هذه المرحلة سوف تترك اثارا عميقة على المهمة التالية و على حياتنا بالكامل ، و بالأخص على اقتصادنا ، عماد حياتنا و عالم السياحة و السفر من اول و اهم الخاسرين ، فلا معنى للصمود و الحياة ، ان لم تكن حياة كريمة ، و الشعب يستحق حياة كريمة و عزيزة
و لقد بدا واضحا ان ايرادات الدولة كما هي أيضا ايرادات الناس و الأعمال هي في انخفاض خطير ،و ان قطاع السياحة و السفر سيكون من اول و اهم المتاثرين على المدى القصير كما المتوسط ، و يبقى السؤال ، هل بدأت الحكومات بتحمل المسؤولية في المهمة الثانية و هي الانتعاش و الحفاظ على الأعمال و العمال و فرص الأعمال التي بدانا نفقدها الان ؟
اقدم هنا محاولة متواضعة لرسم الخطوط الأساسية للمهمة التالية المطلوبة منا، اليوم ، و الا سنفقد الكثير الكثير و خصوصا مخزون الثقة الثمينة التي بنيناها معًا في الأيام الماضية و نعود لنقطة الصفر ، و هنا لابد لي ان أكون واضحًا و صريحًا فانا لست خبيرًا اقتصاديًا و لكن التحدي ليس مقصورا على الاقتصاد فمن الواضح جدًا ان تاثير الكورونا علينا و على حياتننا بكل اطيافها ، رغم عدم وضوح الصورة بالكامل ، سيكون شاملًا و كبيرا جدا كما هو حال الكثير من دول و شعوب العالم . فأيًا كانت درجة التأثير و حجمها الرقمي ، فتاثير و ثمن الإغلاق و العزل سيكون كبيرا اقتصاديا و اجتماعيًا و على فرص العمل خصوصا في قطاع السياحة و السفر . .
و لقد ادركت العديد من الدول هذا الأمر فجهزت له مسبقًا ، شاهدنا في الولايات المتحدة مثلًا ، كما في الكثير من الدول الأوروبية و حتى العربية، تخصيص مبالغ ضخمة ، للتعامل مع ما هو قادم . ففي الولايات المتحدة ، على سبيل المثال وافق الكونغرس على تخصيص ٢،٢ تريليون دولار لمواجهة الازمة و تداعياتها ، ويمثل هذا المبلغ ٥٠٪ من موازنة الدولة و حوالي ١٠٪ من الناتج القومي الأمريكي
و هذا كان حال الكثير من الدول الأوروبية و الاسيوية و العربية أيضًا ،
فمن أين تأتي هذه الدول يهذه المبالغ ؟ و كيف تنوي استعمالها ؟
من الواضح ان دولا عديدة ، لا تملك من الاحتياطات ما يكفي لتغطية هذه المبالغ الضخمة ، كل حسب حجم اقتصاده ، و هنا أقول ، لا باس ان نقترض إذا لم يكن لدينا ما يكفي من الاحتياطيات ، حتى وان زادت نسبة الدين للناتج القومي عن ١٠٠٪ ، فلا سبيل غير ذلك فقد استفدنا لأسباب اصغر و اقل بكثير و إذا لم نستدين الان فمتى و لماذا نستدين ؟
و لكن السؤال الاهم هو ماذا نفعل بهذه المبالغ و كيف نضمن تنشيط الاقتصاد و بالتالي القدرة على إنقاذ فرص العمل وتخفيض نسب البطالة و نسب التضخم و في الوقت ذاته نزيد من الفرص و من قدرتنا على سداد الدين العام من خلال الزيادة في دخل الحكومة و دعم موازنة الدولة كنتيجة لتنشيط الاقتصاد .
في الولايات المتحدة، مثلا ، كان القرار ان توزع الأموال على عدة بنود منها مثالا ،
*الدفع المباشر للمواطنين المتضررين حسب دخلهم و عائلتهم
*و انقاذ بعض الشركات و الأعمال ، خصوصا الأعمال المتوسطة و الصغيرة من خلال تمويلها
*و دعم موازنة الدولة لتمكينها من دفع المصاريف الناتجةعن توفير مستلزمات مرحلة الاحتواء *و دعم موازنة الدولة لتمكينها من تخفيض الضرائب و الرسوم على البضائع و الخدمات
*و. إنشاء صناديق تمويل و دعم القطاع الخاص
*و أية تدخلات ترى الدولة انها قد تساعد على تحفيز و تنشيط الاقتصاد.
و عليه فإنني اقترح التالي في الأردن ،
١ . ان تباشر الدولة فورا بتخصيص او باقتراض حوالي ٣ مليار دينار و يمثل ذلك ١٠٪ من الناتج القومي
٢ . ان يتم تخصيص ٣٠٪ مثلا ، من المبالغ المخصصة لهذه الغاية أي حوالي مليار دينار و ذلك ، لدعم خزينة الدولة لتمكينها من ،
* دفع الرواتب او جزء منها مباشرة للمواطنين الذين فقدوا أعمالهم من القطاع الخاص
* إنشاء صندوق لدعم و اقراض الموءسسات المتعثرة خصوصا المتوسطة و الصغيرة
* دعم خزينة الدولة في تنفيذ القوانين و الأنظمة الجديدة والتي سيكون عليها ان تخفض الضرايب و الرسوم على الشركات و القطاع الخاص خصوصا تلك التي تحافظ على عمالها
و اخيرا دعم خزينة الدولة في الاستمرار بتقديم الخدمات لإنجاز مهمة الاحتواء بالكامل .
٣ . كما اقترح ان يتم تخصيص حوالي ٧٠٪ مثلا ،من المبالغ المخصصة لهذه الغاية أي حوالي ملياري دينار ، لمجموعة من المشاريع الراسمالية بهدف ضخ الأموال لتنشيط الاقتصاد، بمعدل عشرين مليون دينار لحوالي (١٠٠ ) مشروع ، على ان . يتم البدء فورا بإعداد قائمة بالعطاءات للمشاريع المنوي تنفيذها في قطاعات مختلفة، في الخدمات الأساسية و البنى التحتية في التعليم و الصحة و المواصلات و السياحة ونحن أصلا بحاجة الى هذه البنى التحتية فهكذا نحول الازمة الى فرصة
،وهذه دعوة للبدء فورا بإعداد هذه القوائم و عطاءاتها على ان يتم .البدء بتنفيذ مشاريع مع ضخ الأموال المخصصة مباشرة ،فور انتهاء مهمة الاحتواء و رفع الحظر كما انها دعوة لإعداد مسودة القوانين و التعليمات الكفيلة بتخفيض الضرائب و الرسوم على الشركات والأعمال و الخدمات و ذلك لضمان عودة النشاط الاقتصادي وبالتالي البدء برفد خزينة الدولة بالأموال للقيام بواجباتها بسرعة فنحن هنا إذًا نخصص الأموال او نستدين لأجل ضخ هذه الأموال في السوق لتنشيطه ، و ليس لسداد دين سابق كما كانت عليه سياساتنا سابقا
كما علينا اليوم ان نستفيد من مرحلة الهدوء النسبي الذي نعيش فيه ، خصوصا في عالم السياحة و السفر ، لنخطط بهدوء للمستقبل ، وهنا لا بد من العودة الى ما بدانا به وهو ان العالم بعد كورونا لن يكون على شكل العالم قبل كورونا ، ولا بد من فرز فرق عمل و مختصين للجلوس و التفكير بهدوء و روية في كل ما له علاقة باستراتيجيتنا السياحية ،و الاقتصادية ، فخطط التسويق و الترويج مثلا قد تتغير جذري لتنسجم مع التغييرات القادمة و كيفية الاستعداد لها ، فالعالم لنن يبدا مثلا بالسفر مباشرة بعد زوال الازمة ، خصوصا لمسافات طويلة، و سياخذ ألامر وقتا قد يكون طويلا كما ان تقوقع الدول و المناطق على نفسها ، ربما يصبح طريقة حياة في المستقبل فكيف نتعامل مع هذه المتغيرات ، هل نركز اكثر على السياحة الداخلية و الإقليمية و التي قد لا تحتاج الى طيران ؟ ربما و عليه تكون اليوم رسالتنا ،،
" اليوم أبقى في البيت بينما نستعد لاستقبالك غدا حيث سنكون جاهزين للترحيب بك "
لقد اجتهدت في تقديم نموذج لما يمكن ان يكون عليه سيناريو الخروج مما نحن فيه ،لا للتمسك بتفاصيله فالأهم هو الخروج بنموذج محدد ، أيًا كان هذا النموذج ، شريطة ان يكون نتيجة مشاركة شعبية واسعة و حوار واسع يبدا الان و ليس غدًا.
حمى الله الأردن و عرش الأردن ،
حمى الله البشرية جمعاء
د. طالب الرفاعي