ذكرى اغتيال القادة الثلاث في بيروت من قبل الموساد .. لن ننسى
.
دفن الى جانب الشهيد غسان كنفاني الشهيد كمال ناصر .. المسيحي الذي أوصى بدفنه في مقبرة الشهداءالإسلامية
..ولد واغتيل بنفس اليوم
الشهيد كمال ناصر..المسيحي الذي أوصى بدفنه في مقبرة الشهداءالإسلامية..ولد واغتيل بنفس اليوم
تصادف اليوم ذكرى استشهاد كمال ناصر احد أبرز قادة الثورة الفلسطينية،والذي تم اغتياله في10-4-1973 على يد المخابرات الإسرائيلية في بيروت مع اثنين من رفاقه وهما كمال عدوان وأبويوسف النجار.
ويعتبر الشهيد كمال ناصر أحد أبرز قادة الثورة ،ومفكرها،وقد أطلق عليه الشهيد صلاح خلف "أبوإياد" لقب "الضمير" حتى أخذ رفاق الثورة وزملائه في العمل ينادونه بهذا الاسم حتى أصبح كأنه اسمه الشخصي.
وينتمي كمال ناصر إلى إحدى أشهر العائلات الفلسطينية في مدينة بيرزيت ،رغم أنه ولد في مدينة غزة حيث كان يعمل والده.
و كان كمال ناصر عضواً في أول لجنة تنفيذية بقيادة ياسر عرفات، وذلك في شتاء 1969 ،وهو مؤسس دائرة التوجيه والإعلام في م.ت.ف.
وبصفته رئيساً لدائرة الإعلام الفلسطيني وبفضل قوة حضوره الشخصي والثقافي، أصبح "الضمير" رئيساً للجنة الإعلام العربي الدائمة المنبثقة عن الجامعة العربية.
وترك كمال ناصر الشاعر الملتزم الكثير من الأعمال الشعرية ،وأهم كتاباته النثرية في "افتتاحيات فلسطين الثورة" .
قالت عنه الأديبة السورية الكبيرة غادة السمان في إحدى رسائلها إليه: «ينتابني إحساس دائم، كلما كتبت إليك، هو أنني لن أتلقى رداً. فأنت أيها الفارس المشرد ضائع في هذا العالم الواسع، ومن المحتمل أن تصل رسالتي إليك وأنت قد غادرت عمان (وصرتَ) حاكماً لسوريا أو قتيلاً في بيرزيت».
الساخر الجميل
كان يخشى الموت ولا يهابه في الوقت نفسه. وكثيراً ما ردّد: أمامي عشرون سنة لكتابة الشعر، ولا أريد أن أموت قبل ذلك. ومع أن السياسة سرقت منه رحيق الشعر، إلا أنه ظل يراوغ الموت بالسخرية حيناً، وبالحب حيناً آخر، وبصخب الحياة أحياناً. وفي ميدان الفكاهة تُنسب إليه عبارة «الثورة تعني أنثى الثور». وكان منخرطاً في الثورة الفلسطينية بعقله المتقد، وأعصابه الفائرة، وروحه الوثابة، لم يطلق النار مرة واحدة، إلا ليلة استشهاده، حين ختم حياته بإطلاق رصاصة واحدة على الإسرائيليين، وتلقى جسده وابلاً من رصاصهم. ومن فكاهاته التي سرت على الألسنة أنه كان يأتي يومياً من دمشق إلى درعا ليتسقط أخبار القتال في الأردن في أيلول 1970. وفي إحدى المرات مازحه بعض أصدقائه بالقول: لماذا لا تذهب إلى عمان للاشتراك في القتال؟ فسحب كمال ناصر جواز سفره من جيبه وقال لصديقه: أنظر، والدتي تدعى وديعة، واسمي كمال بطرس ناصر وليس عنترة بن شداد العبسي.
وفي إحدى المرات، وكان يجوب شوارع بيروت مع الأديبة السورية كوليت خوري بسيارته «عزيزة»، وكان صوت فيروز يصدح من مذياع السيارة، فالتفت إلى كوليت وقال لها: يجب أن نغتال فيروز. ولما سألته كوليت خوري: لماذا؟ أجاب: لأن صوتها صافٍ وجميل، ويعطي فكرة كاذبة عن العالم وعن الوحل الذي نعيش فيه. لم يبقَ أي شيء في حياتنا إلا صوت فيروز. وعندما نغتالها يصبح كل شيء وحلاً في وحل. إنها تشوه سمعتنا، وتصور عالمنا كأنه كله صفاء كصوتها.
جريدة بمئة دينار
بدأ الوعي السياسي لدى كمال ناصر يتفتح في أثناء ثورة 1936، وكان مواظباً على المشاركة في التظاهرات الوطنية المناوئة للانتداب البريطاني وللهجرة اليهودية. ومع صدور قرار التقسيم في سنة 1947 أيقن أن فلسطين تسير إلى مستقبل سديمي غامض. وقرر أن يصدر جريدة سياسية، ولم يكن لديه أي أموال. فاستدان من شقيقته سلوى مئة دينار كانت ادّخرتها لدراساتها العليا. وفي ما بعد أصدر مع عبد الله الريماوي وراجي صهيون وعبد الله نعواس وطلعت البرغوثي جريدة «البعث» في رام الله.
ألطف اعتقال في دمشق
في 23 شباط 1966 وقعت الواقعة بين البعثيين وانقلب بعضهم على بعض، فاعتقل. وتروي كوليت خوري ان كمال ناصر اختبأ في منزلها. وبعد أيام جاء ضابط ومعه عدد من الجنود يسألون عن كمال ناصر. فنفت كوليت وجوده في المنزل، لكن كمال ناصر عرف الضابط من صوته، فاعتقد انه من جناحه السياسي، فناداه إلى الدخول. وبعد أن شرب الجميع القهوة قال له الضابط: أستاذ كمال، تفضل معنا إلى المزة، فذهل كمال ناصر. وفي طريقه إلى الاعتقال كانت إذاعة دمشق تذيع أناشيد من تأليفه. وفي السجن جاءه قائد القوى الجوية (حافظ الأسد) ومدير المخابرات العامة (عبد الكريم الجندي) لإقناعه بتأييد حركة 23 شباط، لكنه رفض وظل وفياً لميشال عفلق. وعندما سألاه ما هي مطالبه قال إنه يريد ألا يقف الحارس عند باب الحمام حين يدخل إليه. فصدر الأمر بتركه في الحمام بقدر ما يريد. وقبل أن ينصرف الأسد والجندي قال لهما: سأهرب الليلة، فضحكا وانصرفا. وبالفعل تمكن من أن يتسلل عبر نافذة الحمام إلى باحة السجن، ثم سار نحو سور الحديقة وتسلقه، فإذا به في الشارع. وفي ما بعد تسلل عبر الحدود إلى طرابلس، حيث اقتحم منزل عبد المجيد الرافعي وبدأت مرحلة جديدة في حياته.
جنازة غسان كنفاني
في الثامن من تموز-يوليو 1972 أقدمت المخابرات الإسرائيلية على اغتيال الشهيد غسان كنفاني ،وكطفل كبير "غار" كمال ناصر من جنازة الشهيد غسان ،حيث قال في ذلك اليوم: "يا سلام. هكذا يكون عرس الكاتب الشهيد.." وتساءل: ترى هل ستتاح لي هذه الجنازة يوماً؟ وفي العاشر من نيسان 1973. اهتزت الدنيا على وقع قلب بيروت وهي تشهد استشهاد القادة الثلاثة. وكان لكمال ناصر جنازة تغص بعشرات آلاف المشيعيين كالتي اشتهاها، مع إضافة تليق به. فقد تبين أنه أوصى منذ استشهاد غسان بأن يدفنوه إلى جانبه. وهكذا دفن كمال ناصر المسيحي البروتستانتي في مقبرة الشهداء الإسلامية. ولعل الشهيدين يؤنس أحدهما الآخر بعد أن خرج المقاتلون الفلسطينيون من بيروت عام 1982.
نهاية رجل شجاع
لم يمت كمال ناصر مستسلماً بل شجاعاً. ولد في العاشر من نيسان 1924 واغتيل في العاشر من نيسان 1973 مع رفيقيه كمال عدوان ومحمد يوسف النجار، أي انه عاش أقل من خمسين سنة. ففي 10 نيسان 1973 شوهد هذا الفارس النبيل مصلوباً على الأرض، وفي جسده عشرات الرصاصات، وبالقرب منه مسدسه ومظروف فارغ أطلق منه رصاصة واحدة وهوى. وكان آخر ما كتبه لمجلة «فلسطين الثورة» افتتاحية بعنوان «القيادات تتغير والأشخاص يزولون وتبقى القضية أكبر من الجميع».