المشهد العربي من العالم الجديد ومستقبله ..!

بقلم ا. حسني المشهور 
استكمالاَ لأمسيتنا الخميسية الرقمية ومداخلتي تحت عنوان : مشاهد من عالم جديد ...أعرض فيما يلي المشهد العربي من هذا العالم الجديد

وبداية أود الإشارة  لنقاط  تساعد في توضيح ما نحن بصدد الحديث عنه وهي :
 
أولاً :  أن دولنا العربية باستثناء مصر واليمن من أسسها هم الذين ورثوا بلادنا وأهلها من الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى ، وما تبعها من ترتيبات بعد الحرب العالمية الثانية ، وتعاملوا معنا وفقاَ لقوانين الغزو  التي لم تتغير منذ أول غزوة في التاريخ البشري وإن اخترعوا لها مسميات أخرى كمكياج ... كمصطلح سمّوه المجتمع الدولي والذي في الواقع لا يشمل إلا المنتصرين في الحرب (الملّاك الأربعة)  .. ولا يرون غيرهم  سوى ممتلكات ومناطق نفوذ ومهما سمَّت نفسها فلن يغير من الملكية ومرجعية قرارها وسقف سلوكها بشيء .... مع ملاحظة أن الفلسطينيين فقط ولأسبابهم الخاصة كانوا المتمرد الوحيد وما زالوا يتمردون على نتائج الحربين وما تلاهما من حروب .  

ثانياَ : أن أزمة كورونا ستنتهي وغالباً ستبقى دولنا بعدها ككيانات كما كانت قبلها . وأنه لن يحدث للبلاد العرب العربية أسوأ ما يحدث وحدث قبل وأثناء الحربين العالميتين . ولن تأتي قوات  أجنبية إضافية لتغزونا غير ما هو موجود عندنا .

ثالثاً :  إن بلادنا العربية هي بلاد منتجة للثروات وأساسها المواد الخام ، وسينتهي نهبها من طرف واحد لم يكن يترك لبلادنا وأهلها إلا الفتات  ... وغالباً سيتم تعديل هذا النهب ليكون بالشراكة مع دولنا كما بدأنا نراه في أكثر من دولة  حيث أصبح لها هامش اكبر للمناورة  نتيجة الدخول الهادئ لقوى جديدة .
رغم كل ما نراه من المحبطات والحرائق المشتعلة والكامنة على امتداد مساحة بلادنا العربية ... وهي ليست حالة جديدة على امتداد تاريخها فقد تكررت أكثر من مرة  وكانت شعوبها تخرج بعدها مجتمعة فاعلة وقوية ... ، ومع كل ذلك فإن بقعاً كثيراً من مشاهد الضوء تنتشر هنا وهناك ... ، وإن لم تستطع هذه البقع أن تلتقي اليوم لبناء مشروع وطني وقومي إلا أنها تبقى مؤشرات في هذا الاتجاه مثل :
1 ــ  مصـر :
ها نحن نراها اليوم تثابر وتجتهد لاستعادة نفسها وحريتها من قسوة القيود التي رضي بها أصحاب كامب ديفيد، ومن آثار العبث والتخريب الذي أحدثه الأمريكان والصهاينة  وعملاؤهم في نفوس المصريين على مدار  أكثر من أربعين عام ...  عبث وتخريب جعل المواطن المصري الذي يرى في تقديس انتمائه لمصر لا يقل عن تقديسه للدين إن لم يساويه ، ورأيناه يخرج من انتمائه لها ليركب البحر في مراكب الموت بحثاً عن لا شيء سوى الخلاص من رؤية الذين  أوصلوه لهذه الحال من اللاانتماء للوطن ... ، مصر الآن تجتهد في استعادة نفسها وتسير بحذر شديد لتتخطى الكثير من الألغام والفخاخ المنصوبة لها سابقاً وتُنصب الآن ولاحقاً ... وفي استعادة مصر لنفسها ستترك من الإيجابيات على محيطها العربي ما تركته استعادات سابقة على مر التاريخ  ... وهذا مشهد ضوء !!!
2  ــ  دول الخليج العربي:
كما سبق وتحدثنا في أمسيات سابقة بأن دول الخليج اليوم والسعودية في مقدمتها ليست هي دول الخليج في الخمسينات وحتى ثمانينات القرن الماضي من حيث الاستجابة للضغوط الخارجية  ... هي اليوم أكثر قدرة على المناورةمن ذي قبل  في مواجهة هذه الضغوط وحتى رفض بعضها بفعل الشبكة الواسعة من العلاقات والتحالفات الجديدة الاستراتيجية المتنوعة اقتصاديا وسياسياً وحتى عسكرياً و التي نسجتها على مستوى العالم وخصوصاً دوله الكبار (ملّاك العالم بعد الحرب العالمية الثانية والقوى الصاعدة) ...  ولعل ما نراه اليوم من شراكات لدولها في مشروع طريق الحرير , وفي مسألة انتاج وتسعير النفط  وآثاره على صناعة النفط الأمريكية  يعد مثالاً واضحاً عندما تصطدم مصلحة الدولة والنظام مع هذه الصغوط كيف يتدخل رأس الدولة والنظام مستعداً للمواجهة ولحماية دولته ونظامه  ومصالحه... وهذا مشهد ضوء ومبشر بمستقبل افضل !!

3  ــ  دول المغرب العربي : 

لقد استطاعت ثلاث من دوله ( المغرب ــ الجزائر ــ تونس) الخروج بأقل الخسائر من الحريق الذي  أسموه  لنا بالربيع العربي ...  باستثناء ليبيا والتي أشرنا في حوارات سابقة لأسباب عدم استعادتها لاستقرارها (خلافات على حصص الغزاة وحصص عملائهم المحليين الذي شرّعوا لهم الغزو) .. وهذه الدول تتلمس طريقها لاستعادة التنمية تحت ضغوط شعوبها الخارجة عن الطوق ، وهذا مشهد ضوء !!

4  ــ  العراق واليمن وسوريا :

واستعادة هذه الدول لاستقرارها مرهون بالخلاص من العبث الإسرائيلي والإيراني  والتركي المختلفون شكلاً والمتفقون مضموناً وهي حالة لن تطول ... فبعقع الضوء في هذه  الدول نراها تسطع برهة وتختفي ثم تعود لتظهر أكثر نوراً وأملاً بالخلاص ... وهذا مشهد ضوء !!

 5  ــ  الأردن وفلسطين  : 

على مر السنوات الماضية كثُرت محاولات تصدير المشكلة الفلسطينية إلى الأردن ، أو استدراجه لمواقف  تضرب أسس قيام الدولة الفلسطينية ، ولكن ما شهدناه سابقاً ومانشهده الآن من المواقف الأردنية الصلبة الداعمة لقيام الدولة الفلسطينية من جهة ومن القدس من جهة ثانية رغم كل الضغوط التي يتعرض لها , وما يقابلها من دعم ومساندة فلسطينية للموقف الأردني والتصدي لمحاولات النيل من  وحدته واستقراره خلق وحدة الموقف في مواجهة المحاولات الصهيونية والأمريكية وشكّل الجدار الصلب للطرفين الذي تكسّرت وتتكسر عليه كل المحاولات لجعل المواجهة بينهما بدلاً عن مواجهة هذه المحاولات  ... وهذا مشهد ضوء . 
في الختام  وحول ما يخصنا، فإن شعبنا الذي دخل في بطن الحوت ورغم كل المعاناة والتضحيات وقسوة العنصرية والفاشية الصهيونيه ها نحن نراه يبرطع في بطن هذا الحوت  الصهيوانجلوسكسوني , ولن يسمح له بقذفنا على شاطيء ويمضي كما قُذف سيدنا يونس من بطن حوته ... بل سنبقى نبرطع في جوفه وننهش في أحشاؤه حتى نمزّق جسده ونخرج واقفين على أشلائه شامخين  ننادي :
هنـا كانت غزوة   ... وهذه بقاياها !
وعلينا دائماً أن نبقى مدركين  لعمق ومعنى شعار عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية  إلا  ... ، والفهم العميق لمتطلبات ومعاني حرب الشعب طويلة الأمد الذي رفعتهما الثورة منذ انطلاقتها لنصل إلى كامل الأبعاد للأهداف والمضامين  لمعنى النصر  في شعارنا الجامع ... ثورة  ... ثورة حتى النصر ...
                وإنها لثورة حتى النصر ،،،
ا. حسني المشهور 
18/04/2020