من حظنا أننا ما زلنا أحياء في زمن الكورونا وسنكون شهود ..
فارس الحباشنة
من حظنا أننا ما زلنا أحياء في القرن الحادي والعشرين. وسنكون شهودا على ولادة جديدة لإنسان ما بعد كورونا، ولعالم وزمن جديد يختلف عما كان قبل كورونا.
كورونا بقدر ما هي جرثومة مجهولة وصغيرة ولا مرئية، وتعجز العين المجردة عن رؤيتها، فإنها ولدت في كل إنسان خوفا كبيرا، وعالما مختلفا من الخوف، وسواء ذلك على سرير نومه وفِي غرفته وبيته ومكتبه، ومع أهله وعائلته وأصدقائه.
الإنسان في زمن كورونا، صار اول ما يخاف من أهله، ويخاف من اقرب الناس له في حياته اليومية. ويخاف من كل الأشياء في محيطه، يخاف من الكرسي والطاولة واللاب توب والموبايل.
تفتح شباك الغرفة تخاف من الهواء القادم من الخارج. ويمر سرب طيور جميلة تؤنس السماء تخاف ان تسمع صوت تغريدها، وتركب السيارة تخاف ان تلمس مقودها، وتشغل المذياع، وفلا تعرف ماذا يسكن الاسطح من فايروسات، لربما يكون كورونا واحدا منها!
لا فكر ولا خيال، الخوف يسيطر على الجميع. العقل مشلول ومعطوب غير قادر على التفكير وانتاج افكار جديدة. بالكاد تتذكر بقايا اسماء وأماكن من زمن ما قبل كورونا.
وأكثر ما تخاف ان رن هاتفك او قرع صوت رسالة على «الواتس آب» تحمل خبرا سيئا وحزينا. فإما ان ينعى قريبا او صديقا، او يحمل نذير شؤم من يوميات اخبار كورونا، إصابات وإصابات بالعدوى، ومتتاليات كورونا المشؤومة.
كان الهاتف جلابا للأخبار السعيدة. بشرى جميلة كل صباح، وحب جديد، واخبار سعيدة لأصدقاء ورفاق وأقارب وجيران، واتصالات اطمئنان من الأهل والعائلة، ودعوات على عشاء وسهرات لا تنتهي، واخبار جميلة، ما أكثرها.
كورونا تطاردنا في كل مكان. فما ان تصحو من النوم، والخوف والشك يصيبك بأن كل ما تقوم به سيؤدي لاصابتك كورونا من فراش النوم الى الصالون والسيارة والسوق والموبايل، كل شيء مرمز بالخوف من كورونا.
تفتح خزانة الملابس ترتدي أي شيء، فلا يهم لون او ماركة، تغسل وجهك خمس مرات، وتنظف يديك عشرين مرة، تنظر الى التلفون مرعوبا، فماذا يمكن ان يحمل الغراب غير نذير شؤم من اخبار، موت قريب وصديق ودفنه دون جنازة، وبيت عزاء.
التلفزيون مرعب، واكثر ما تتناسل اخبار أعداد الوفيات وأعداد المصابين في العالم من نشرات الاخبار، بي بي سي وفرنسا 24، والميادين وروسيا اليوم يتنافسون على نقل اخبار كورونا السوداء والنحسة. فأي شاشة ستنقل للبشرية خبر اكتشاف الدواء والعقار الابدي للفايروس اللعين؟
رغم ان يوميات كورونا قاسية وحزينة، الا اننا سنبقى نحب الحياة ما استطعنا سبيلا؟ ونحب أن نسمع لأم كلثوم وفيروز وفريد الاطرش ومحمد عبده، ونحب كوميديا عادل امام وسعيد صالح وياسر العظمة.
سنبقى نحب الحياة، نفرح ونجلب الفرح بالحرف والكلمة، والقول الحسن والحكيم والرشيد