كورونا والموت ..
فارس الحباشنة
منذ وصول كورونا الى الاردن، كل يوم أتفقد صفحات التواصل الاجتماعي وجروبات «الواتس أب « والمواقع الاخبارية إن زاد عندي وقت، وذلك لكي اتابع اخبار الوفيات في المملكة وخارجها، ومن يرحل ويغادر من اقارب واصدقاء ورفاق وزملاء مهنة.
تجد نفسك عاجزا عن القيام بواجب العزاء. فأكثر ما تملكه من أدوات وقرار للتعزية في زمن كورونا، الاتصال الهاتفي أو كتابة منشور على الفيس بوك تشارك العزاء وتترحم على الراحل أو تبعث تعليقا في ذيل خبر نعي، ترسل من خلاله العزاء الى أهل وذوي وأقارب الراحل.
الموت في زمن كورونا، رحيل صامت. رحيل يعتب الانفاس والقلوب. الاهالي يوعدون احبابهم بصمت، ودون سند ولا مواساة، والجثمان يواجه بمفرده رحلة الرحيل الاخير.
الموت مصيبة ومصيبتان في زمن كورونا، والاولى الفقد والرحيل، والثانية الرحيل الصامت دون وداع ولا جنازة، وتحرم الاهل والاقارب من القاء النظرة الاخيرة على الجثمان.
ما يقع للموت في زمن كورونا غير مسبوق في التاريخ. الجنازة تمضي بالجثمان دون طقوس تذكر. والراحل يوارى الثرى بلا معزين ومصلين، الا احيانا قلة قليلة لا يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة.
و الاهل في مصابهم الجلل بلا مواساة تخفف من حرقة الموقف وحرقة الرحيل، فلا سلوان يخفف على مواجع الاهل، ووطأة الفراق القاسي. فكأن الموت الواحد يمر بوجع موتين وثلاثة واكثر، وان حسرة الفقد لا تطفئ مواجعها كلمات العزاء، ومهما استقامت بلاغة الرثاء.
فكم أن كورونا مؤلمة وقاسية، ولايشفي غليلها انها تصيب جسد الانسان وتنهشه، ولا يشفي غليلها انها اعاشت الناس في حالة رعب وخوف وقلق وهلع، انما حرمت الانسان من كل المشاعر والعواطف، وجمدت قلبه من الخوف، وكأنه يعيش بحياته في ثلاجة لغسل الموتى، والكل ينتظر على الدور.
الموت بلا عزاء وصلاة. والجثمان محكم ومكفن بطريقة فولاذية وحديدية، فيحجر على الميت صحيا بعد اعلان وفاته. ويوارى الجثمان الى قلب الارض محكما خوفا من انتقال العدوى أو ان يكون مصابا بالفايروس، والموت هنا مفتوح على كل الاحتملات، وذلك بحكم ان الجثة قد تكون حاملة للفايروس وتنقل العدوى الى الاهل والاقارب.
وكما اعلنت الحكومة عن قرارات لمنع التجوال والحجر الصحي والحظر الشامل لمواجهة كورونا. فان الموتى قد صدر لهم تعليمات واجراءات موازية تبدأ من غسيل الجثة في المستشفى وتمر في دفن الجثمان في قلب الارض، وتنتهي في الغاء اقامة بيوت العزاء تجنبا للمخالطة وحفاظا على مبدأ التباعد الاجتماعي.
كورونا قلبت الاقدار، وبسبب فايروس لعين، حرمنا من وداع الاقارب والاصدقاء. واقصى الاماني في زمن كورونا ان تودع ميتا بالقاء نظرة اخيرة أو المشاركة في بيت العزاء. ولكن حتما لا تسطيع، يمتلكك الشعور بالعجز، ولتكتفي بارسال رسالة او اتصال هاتفي أو الوقوف على نافذة الشباك تنظر الى شوارع المدينة الخاوية والفارغة وتتحسر موجعا على شعور يومي بفقد كل طعم الحياة.
ورغم كورونا، فان الموتى الاعزاء لا يمرون هكذا، فان وجعهم يبقى يترصد القلب، وولهم ذكرى طيبة في النفوس، ومن الصعب أن ينسوا مهما كانت قسوة كورونا اللعينة على الانفس، فهم محميون في الذاكرة، وكورونا في الزائلة وستذهب الى الجحيم.