الصلاة في فلسطين .. بقلم / حماده فراعنه


حمادة فراعنة
تم نشره  الأحد 26 نيسان / أبريل 2020. الدستور. 

دوافع مبدئية دينية وطنية جعلت بعض مساجد فلسطين في مناطق 48، لدى المدن المختلطة، تفتح أبوابها حاضنة لعدد محدود من المصلين، مع الالتزام بأقصى درجات الحيطة والحذر، والتباعد الجسدي بين المصلي والأخر، مستغلين حالة الطقس الربيعي الحسن لتكون الصلاة في الهواء الطلق لساحات المساجد المكشوفة.

الإصرار على صلاة التراويح في مدينة يافا المختلطة، مع بداية شهر رمضان، شهر التوبة والغفران، شهر السماحة والمباهاة، رغم التعليمات والحذر من مواجهة أذى كورونا، له دوافع جوهرية عبر هذا الإصرار في تأدية الفريضة رغم الإجماع من علماء المسلمين على التأجيل واقتصار الشعائر في البيوت، ما هي دوافعها؟؟.

الجواب يكمن في الحالة الوطنية السياسية ودوافع الإصرار على عنوان الوطن المسلوب الذي تعمل سلطات المستعمرة على عبرنته وأسرلته وتهويده، فيكون الرد الوطني القومي الديني، من قبل شعب فلسطين رغم إمكاناته المتواضعة مقارنة مع قدراته المعنوية الوطنية الهائلة على الصمود، وتكييف المعطيات لصالح تثبيت حضورهم وزرع معايير وعناوين فلسطينيتهم وعروبتهم وإسلامهم ومسيحيتهم ودرزيتهم، باعتبارهم امتدادا للتاريخ، وعنواناً للوطن، وأحد مفاتيح فلسطين وثباتها هو المسجد بما يمثل من حالة بشرية إنسانية تراثية وعقائدية حية.

إنه الإصرار على التاريخ والحاضر والمستقبل، إصرار على مكونات الحياة، ولذلك يتم إحضار المسجد والصلاة فيه عنواناً لفلسطين وشعبها، مصحوباً بحاجات الحذر، وضرورات التباعد، وهزيمة الفيروس، لا أن يكون الفيروس مرادفاً للاحتلال والتغييب والتجميد.

سلطات المستعمرة تُميز في إجراءاتها الاحترازية عبر التعامل مع المجتمع العبري الإسرائيلي، خلاف تعاملها مع مكونات المجتمع العربي الفلسطيني، لصالح المجتمع الأول وحرصاً عليهم، بدون رعاية المساواة والاهتمام مع المجتمع الثاني، ورداً على ذلك في مواجهة الفيروس والتمييز تحرص القوى السياسية والبرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني وسلطات البلديات العربية لتأدية واجباتها نحو شعبها بأقصى معايير المهنية الصحية والحرص الطبي، وبرؤى ودوافع وطنية قومية دينية، لأنهم يدركون معاناتهم جراء التمييز والعنصرية التي يُواجهونها.

لا أحد في بلادنا على امتداد الوطن العربي، يُعادي أو يُنافس أو يمس بما نؤمن أنه حق، ولذلك تتخذ كل إجراءات الحماية في مواجهة تسلل الكورونا، ولكن في فلسطين يواجه شعبها فيروس مزدوج من: 1- الكورونا،  2- والاحتلال والعنصرية والتمييز الصهيوني، ولذلك تعمل قوى الشعب الفلسطيني الحية على مواجهة هذه الازدواجية من الأذى والحرمان من حق الحياة، على أرض الوطن.

سينتصر شعب فلسطين، رغم تواضع إمكاناته في مواجهة قدرات عدوه المتفوق الذي يحتل أرضه ويصادر حقوقه وينتهك كرامته، سينتصر لأنه على حق، وسيواصل النضال، وها هو العالم وقطاع واسع منه من كان داعماً للحركة الصهيونية، وتنفيذ وعد بلفور، يقف اليوم مع الشعب الفلسطيني، خاصة في أوروبا التي صنعت مشروع المستعمرة الإسرائيلية على أرض فلسطين، ويرفضون: 1- مشروع حكومة نتنياهو غانتس في قضية يهودية الدولة، و2-صفقة ترامب السياسية المتعارضة مع قرارات الأمم المتحدة وحقوق الشعب الفلسطيني.

النضال مثل كرة الثلج المتدحرجة تبدأ صغيرة وتكبر وهذا هو الحال في فلسطين.