قشوع : واقع كورونا يفرض إعادة تموضع العالم الطبي ما بين البحث عن لقاحات العلاج وصناعة الأجهزة ..

بين ميادين الأغماد ومنع الحركة والتحرك والعزل المناطقي والتحوصل، تنشغل المجتمعات للحد من انتشار الوباء الفايروسي وبين تنافسية محمودة او محمومة تحتدم فيها درجة الاشتباك العالمي حول تجربة امصال اللقاح وادوية العلاج، فيما ينبرى اخرون بالإنشغال بتصنيع الاجهزة الصحية والطبية المساندة، وهذا يلخص حال المشهد العالمى.

وبعيدا، عن الاسباب الكامنة وراء او من وراء انتشار هذا الفايروس، ما إذا كانت طبيعية او بيولوجية، سياسية او تجارية او ماهية القوى التى تقف خلفها ما اذا كانت إلاهية

او خفية، فان هنالك وقائع بدأت ترسم فى الاذهان وحقائق بدأت تظهر للعيان وتشكل صورة انطباعية جديدة عند الدول والمجتمعات فى المشهد العام.

حيث الحقيقة الاولى فى المعادلة الناشئة ان القوة النمطية التقليدية ليس وحدها قادرة على حفظ التوازن ولا القوة النووية وحدها قادرة على ترجمة القول الفصل فى ميزان المعارك او حفظ التوازن الإستراتيجي، فان القوة الرادعة الاستراتيجية قد لا تكون تقليدية او حتى نووية، وان هنالك ميزانا جديدا لا بد ان يأخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن المقومات الاستراتيجية للدولة، فان الاسلحة التقليدية والانشطارية ليس وحدها قادرة على تشكيل قوة الحسم فى ميزان القوة الردعية فى ميزان التاثير على احداث المشهد العام العالمي، وبهذا يكون ميزان القوة قد تغير ان لم يكن قد تبدل مع وجود السلاح البيولوجي الجديد القادر على القتل بهدوء وبدون اجواء صاخبة.

اما فى الاتجاه المتمم، فان الصناعة المعرفية، هى الصناعة التى ستتكىء عليها الارضية العامة للمستقبل والتى قد تبدأ مع ولادة الجيل الخامس من الصناعة المعرفية الذى سيشكل وثبة جديدة فى العلوم التقنية والعلوم الحياتية حيث يقوم على علم الاحاطة بعد انتهاء مرحلة علم الابعاد ، والذى ينتظر ان يشكل حقائق جديدة فى مجالات تكنولوجيا الطاقة وطريقة التخزين طويلة الامد .

وهذا سيغير الكثير من الاليات النمطية فى ميادين الطاقة الطبيعية والتى مازالت سائدة فى المرحلة الحالية، وهذأ اضافة الى شرائح السلوك البشرى التى تستند لنظم المعلومات الشخصية المسيرة ، وهى ستعمل على تسهيل حركه النقل والتنقل والتبادل التقدي وعمليات الاستقطاب الشخصى فى المجتمعات، اضافة الى وسائل الاتصالات الحديثة، وبهذا يكون المجتمع الذى يمتلك القدرة على التاقلم هو المجتمع المؤهل للدخول فى البوابة القادمة.

اما فى الاتجاه الاخر فان طبيعة الحركة للافراد فستكون مغايرة عن ما هو قائم، كونها ينتظر ان تكون ضمن اطر احتوائية مسيطر عليها من النظام الجديد دون الحاجة الى نظم وسيطة بين الافراد والنظام المركزي الحاكم كونه سيكون قادرا على احتواء الكل الانساني ضمن منظومة ارضية واحدة وقوانين عالمية واحدة، وهذا ما سيهدد وجود الانظمة القائمة وانظمتها، والنظام العالمي وتوازناته الحالية، وتؤول المنظومة الانسانية الى مسوغات مرجعية واحدة.

اذن العالم على ابواب مرحلة جديدة تقوم على الاحتواء والاحتوائية، وعلى الإحاطة الفردية، ضمن مرجعية قانونية واحدة ومنظومة حركة موحدة، واطار ناظم معلوم النسق والمسار، مرتبط بوسائل تنظم العملية السوقية والتسويقية فى عملة دولية واحدة موحدة بالمرجعية والتقنية، فيه يتم المحافظة على التحرك والسلوك الحركى والعدالة الاجتماعيه والانتاجيه السوقيه وضمن ضمانات اجتماعية ورفاهية انسانية تقوم على الانتاجية ولا تقوم على ظروف الإحازة ومناخات امتلاك السلطة وظروف اشغالها وتشغيلها، وهى ظروف فى شكلها افضل للمجتمعات النامية وفى مضمونها تعطى الرفاهية للمجتمعات المنتجة والافراد الفاعلة والعاملة.

اما محور التباين من اسس النظريات القادمة فهو يقوم على شقين أحدهما يقوم على مرجعية المعتقدات والاديان والاخر يقوم على مرجعية السلطة وظروف تشكيلها، اما

فى مسألة توحيد مرجعيات المعتقدات وفق مرجعية واحدة، فان هذه المسألة ستشكل جوهر المشكلة وعنوان التحدي فى ترسيم المرجعيات القانونية وتوظيفها، هذا اضافة الى مناخات اخرى لها علاقة بالطبيعة الثقافية التى تشكل الفكر الانساني والمنطلقات الحضارية التى تكون السلوك البشري، وهما يشكلان العاملين الاساس فى مسالة ترسيخ ثقافة القبول الاساسية بين الافراد والمجتمعات وفى تاصيل قيم المواطنة الجديدة بين الانسانية جمعاء، على قواعد جامعة وأرضية اجتماعية واحدة وقوانين وضعية موحدة.

وهى تحديات يتم حلها او ايجاد ظروف لحلولها عن طريق ايجاد النظم المعرفية الجديدة التى ستسمح للجميع التواصل مع الجميع دون الحاجة الى معرفة جميع اللغات فقط ما عليك الا امتلاك الشريحة وهى ستقوم بتجسيد العالم الافتراضي حيز الواقع ، ولعل هذه الحلول وغيرها من الحلول المعرفيه التى تعول عليها بتوحيد النسق البشري العام والتخفيف من حجم ومقدار الزوايا الحضارية والثقافية الحادة ، بالتعاطي مع المستقبل على حساب الموروث التاريخي الحضاري والثقافي التقليدي.

اما فى الشق الاخر من ميزان التحدى فان ارضيته تتأتى من واقع حالة التضاد الناشئة بين القيمة المبدئية والقيمة المنفعية، وبين المساءله الفردية التقليدية والمساءلة الجماعية الناشئة، وهذه تحديات قيمية يعول ان تتغير اركازها عندما يتم استبدال مقومات الشرعيات التقليدية الخاصة بعمليات التكوين وتشكيل الاطر الناظمة للمجتمعات وطبيعة ارتكاز منظومة الحكم التقليدية بطريقة منسجمة مع الحالة الناشئة وظروف تكوينها، حيث لا يوجد اعتبارات ضمنية لطبيعة الحكم ، فلقد تم احتواء الثقافة والحضارة والعقائد فى نظام واحد جديد لذا فان الشرعية التقليدية القائمة على الاديان والعقائد والاثنيات والثورات والانتخاب هى شرعيات قد لا تكون قائمة فى ميزان معادلة شرعية الانجاز ، التي يقوم عليها النظام العالمى القادم ، والتى ينتظر ان تستند شرعية الانجاز ومقوماتها، الى روافع جديدة وحوامل جديدة تعتمد على ثقل الخاصة وليس بمقدار حجم العامة، فان بيت القرار بحاجة الى الخاصة وخاصة الخاصة، اما فى المقام الثانى فان الوسائل مهما تغالت ادواتها وكانت سياساتها فى سبيل تحقيق الانجاز فان هذه الوسائل ستكون مبرره ومشروعه في حال تحقيق اهدافها وغاياتها بينما ستكون عكس ذلك فى حالة الفشل ، فان القياس القيمي يكون فقط فى حالة عدم الاجتياز وعند نقطه عدم الوصول .

وهذا ما يجعل معادلة شرعية الانجاز تستند منطلقاتها احداثيات قيامها تكون فى الاهداف ، فيما يكون المبدأ السياسي فى معادلتها كامن الغايات وغير مبين فى المنطلق، وهذا ما يجعل منظومة الحكم تقوم على النتائج ولا تقوم على المثل او المنطلقات، فان النتائج الايجابية فقط ستشفع للمنظومة التى حققت الانجاز الاهلية التى تخولها فى وضع منظومة عمل جديدة او مسوغ قانون يحل بديلا عن ما هو سائد.

اما التحدى الاخر والذى تمثله السلطه واليات تشكيلها ومناخات تشكيلها وظروف تعميدها، فانها تقوم على طرق للسماح فيها للمنجز من الكلام كونه يمتلك احقية قرار ،

حسب القطاعات الخاصة يتم تشكل خصوصية التقديم والتقدمة، وهذه المعادلة ستكون فيها تفرعات كثيرة ومتنوعة ومتشعبة بحكم تنوع ظروف اختصاصاتها الرئيسية والفرعية ، لذا فان الالمام يكون محصورا عند فئة قادرة على تسيير الامور وإدارة الشؤون العامة بحكم اطلاعها الضمني والعميق، وهذه منهجية تسمى اختيار الوازن بالوازن، ضمن مقاييس شرعية الانجاز وقواعدها واسسها الناظمة.

فان الاطلاع على وحي تفكير الاخرين ونظرياتهم الفرضية التى قد لا تحقق لاسباب عديدة منها من يمكن استدلاله فى السياق ومنها ما يمكن استنباطه من الاحكام الانطباعية واخر يمكن اخده بعين الاعتبار وتجهيزه للتعامل معه ومع سياساته على اعتبار ان جزءا منها بات اما قيد التشييد او التصنيع او التنفيذ.

ان الاهتمام بالصناعة المعرفية على قواعد عمل صلبة واسس متينة هو الامر الذى يمكن اتخاذه معطى موضوعيا وعلميا ويمكن البناء عليه بطريقة ذاتية اردنية، فالاردن لديه الارضية الملائمة لتحقيق تقدم نوعي في هذا المجال، لاسيما وان الصناعة المعرفية تعتبر اساس الصناعات المستقبلية فى ايجاد عوائد مهمة لمجتمعنا المحلي، وهذا ما اكد على معانيه جلالة الملك عبدالله الثاني فى الكثير من المناسبات، فما المانع من التقاط استنتاج او استخلاص واحد يقوم عل ايجاد استراتيجية عمل وخطة عمل تنفيذية، اضافة الى وجود بيئة محفزة تقوم من اجل ايجاد علامة فارقة فى الصناعة المعرفية، وهو سؤال سيبقى برسم الاجابة ؟ فنكون بذلك قد عززنا الواقع الحاضر واعددنا الحاضر لما هو قادم بناء على هذه القراءات المعرفية.