جردة حساب للرئيس "عمر الرزاز" ما له وما عليه .. الحلقة (1)
لسنا بالمسحجين ولا اعتدنا ان نكون من المطبلين للحكومات ولا من شيمنا الرقص على أعتاب المسؤولين كأراجوزات ودمى متحركة لا سمح الله وكانت معارضتنا في نفس الوقت تحكمها المهنية الاعلامية وميثاق الشرف الصحفي ولأن القلم لم يخلق فقط للانتقاد وتعرية القرارات الخاطئة وملاحقة أوجه الفساد فأن الواجب يحتم علينا ان نذكر المنجزات والانجازات اذا وجدت سواء في جهاز الدولة او من مجلس الوزراء ورئيسه ليكون دافعا لمن يعمل ويجتهد بأن يعظم مسيرته الصحيحة ويعلم غيره ان هناك من يتابع الخطأ والصواب على حد سواء.
وقد اجتهدنا في هذه الحلقات ان نبين مواطن الإيجابيات والسلبيات لحكومة الدكتور عمر الرزاز الذي واجه خلال توليه منصبه الكثير من الاشكالات العنيفة ومنها الذي لعبت المصادفة والقدر دورا في حدوثها وأخرى كانت خلفها أصابع خفية تفعلها وتعمل على تنميتها لأسباب خاصة ومصالح شخصية وهم بالمناسبة كُثر ومن مستويات ومسميات دولة ومعالي وعطوفة وغيرها وسنتدرج بخارطة الطريق وحقول الألغام التي سلكها الرزاز وفريقه وفي النهاية نترك للقاريء الكريم الحكم في مدى النجاح او الفشل لمجمل ما قدم.
وبجردة حساب بسيطة نقول بأن حكومة الدكتور عمر الرزاز قد تعرضت منذ بداية مسيرتها إلى هزات زلزالية كبيرة وأحداث عاصفة جسيمة وكان اولها حراك الشارع وتناميه والذي اطاح بحكومة هاني الملقي في الرابع من كانون الثاني للعام 2018 وكان لزامآ على الرئيس التعامل مع احتجاجات الدوار الرابع ففتح قنوات الحوار مع المعارضين قبل الموالين وتحمل الانتقادات واللسان الماضي واستوعب الجميع بل واقنع الأردنيين والنواب بأقرار قانون ضريبة الدخل بتعديلاته والذي دخل حيز الوجود بسلاسة يحسد عليها.
المنعطف الثاني القوي والذي دخلته الحكومة في حادثة وقعت في 25 تشرين الأول من العام 2018 م في منطقة وادي زرقاء ماعين عند شواطئ البحر الميت من الجانب الأردني وقد أدى الحادث لوقوع (21) ضحية و (43) إصابة معظمهم طلاب كانوا في رحلة مدرسية للمنطقة إضافة لانهيار جسر مغلق منذ مدة وقد كان الحادث سببه السيول الكبيرة التي اجتاحت الوادي ومنطقة شاطئ البحر الميت التي تعد أخفض نقطة على وجه الكرة الأرضية إثر تعرض الأردن لمنخفض جوي أدى لأمطار غزيرة وفيضانات في الأودية فكان لا بد من التعامل والتصرف الذي يطفيء جزء من النار الملتهبة في صدور أولياء أمور الطلبة الضحايا والسخط الشعبي المتعاطف والكبير مع القضية فتم الاطاحة بوزيري السياحة لينا عناب والتربية والتعليم عزمي محافظة وقبول استقاليتهما كنوع من الاعتراف الضمني بمسؤولية الحكومي فهدأت الخواطر واطفأ الرزاز النيران بيديه دون أن تحرقه وسجل اهدافا تستحق الذكر بعد زيارات مكوكية لأهالي الضحايا واقاربهم معزيآ ومواسيا وكانت حكمته ومشاعره تطغى وتسمو على اي اعتبار ونجح وعبر النفق وعاود لاستكمال مسيرة حكومته.
وفي الثاني عشر من تموز لسنة 2018 كانت مصداقية عمر الرزاز على المحك عندما قامت دائرة الجمارك العامة بمداهمة اربع مواقع في المنطقة الحرة وخارجها ضبطت خلالها آلات ومواد لتصنيع مادة الدخان وتهريبه للسوق المحلي والخارج وبتهرب ضريبي يصل إلى ملايين الدنانير ولأن المضبوط كان أحد كبار المتنفذين وهو عوني مطيع وله من البكايات والـ "فزيعة" من سياسيين ونواب الكثير والذين حاولوا لملمة الطابق الا ان قوة الرزاز وايمانه بوجوب نفاذ القانون جعله يصدر الاوامر بعدم المجاملة وجلب كل من يناله الشبهة بل وسطر كتاب للانتربول لإحضار مطيع من الخارج بعد أن غادر الأردن قبل المداهمات بيوم واحد وهو يمثل الان أمام محكمة أمن الدولة بجريمة اقتصادية وأعطى الرزاز درسا قاصيآ لكل من تسوله نفسه العبث بمقدرات الوطن وان القانون والسجن سيكون نهاية مؤكدة لطريقه .
القنبلة الرابعة كانت متمثلة بأضراب المعلمين وبدات بموجة من الاحتجاجات في الخامس من شهر سبتمبر عام 2019، حين إمتثل أكثر من 80 ألف معلم من مختلف المحافظات الأردنية لقرار نقابة المعلمين بتنفيذ اعتصام بمنطقة الدوار الرابع في العاصمة عمّان، من أجل تذكير الحكومة بعلاوة الـ 50 في المئة التي يطالب بها المعلمون زيادة على رواتبهم الأساسية، ومن أجل إقامة صلاة الغائب على روح نقيب المعلمين الراحل أحمد الحجايا، واعتبر هذا الإضراب أطول إضراب للمعلمين في تاريخ الأردن فقد استمر لمدة 30 يوم تقريبا، وأدى إلى امتناع مليون ونصف المليون طالب من الذهاب إلى المدارس، وتوقفت الحياة التعليمية بشكل كامل ودخل الرزاز والوزراء المعنيين بحاور طويل انتهى في منزل الرئيس وبتدخل من قوى سياسية واسلامية وتم تغليب مصلحة الوطن والطلاب على كل المصالح المادية رغم الوضع المادي وقلة السيولة التي يعاني منها صندوق الدولة والعجز في ميزان المدفوعات العامة ولما كان هَمّْ الرزاز الأول هو في عودة الطالب إلى صفه ومدرسته فأقرت الحكومة العلاوة ورضخت لمطلب المعلمين وتجاوزت المطب الكبير الذي وضعت فيه رغم ضعف الإمكانيات المادية بعد أن عملت حكومات سابقة على ترحيل ازمته وقد لعبت أيادي ملوثة على تأجيجه لاسقاط الرزاز واحداث أمور أخرى لا نرغب بسردها في وقتنا الحاضر .
كما واصطدم الرزاز بمعضلة كبيرة أخرى وهي صندوق النقد الدولي والاقساط المترتبة على الاردن والتي لم تلتزم الحكومات السابقة في الوفاء بها فكان لا بد من التعامل مع هذا الملف بحنكة واقناع ولأن الرزاز له خبرة واسعة في هذا الصندوق حيث كان أحد كبار موظفيه فعرف كيف تدار الأمور والمحادثات والمباحثات مع إدارة الصندوق ونجح في تجاوز الأزمة المالية وقام أيضا بتسديد ما قيمته مليار دولار في سنة واحدة بعد أن قلص من الإنفاق الداخلي وحدَّ من التوظيفات السنوية في جهاز الدولة مما أعطى الخزينة وفرآ مالي لسداد الدين الخارجي.
وما ان انتهت الحكومة من هذه الملفات رغم صعوبتها ووعورة طريق حلها والا ودخلت العام 2020 وفي بداية آذار منه بمواجهة شرسة مع أخطر فيروس يواجه الإنسانية والعالم فعجزت عن مجابهته كبريات الدول التي تتقدمنا علميآ وطبيآ وماديآ وحصد في الصين وأوروبا وامريكا آلاف الأرواح وكان للأردن وحكومته رأي آخر وكلمة عليا في هذه المعركة وكان لا بُد من اتخاذ قرارات مصيرية ومنها حجر القادمين من الخارج بفنادق 5 نجوم وتفعيل قانون الدفاع وفرض الحظر الشامل والجزئي حتى تم تجفيف منابع هذا المرض وملاحقة البؤر التي خرج منها في أربد والهاشمي الشمالي وعجلون وغيرها ورغم القساوة الاقتصادية التي تحملها التاجر والصناعي والمزارع والعامل والتي حاولت الحكومة التخفيف من وطأتها قدر المستطاع وقد أتت هذه الظروف والقرارات بنتائج إيجابية آخرها كان الصفر للحالات الجديدة ولليوم الرابع على التوالي وهذا انجاز سبق فيه الرزاز وحكومته دول العالم اجمع وما زالت الحكومة تواصل مكافحتها للمرض وفي حال الانتهاء منه فسيكون لديها الملف الاقتصادي الأكثر تعقيدآ ويحتاج إلى جهود مضاعفة لرأب الصدع فيه.
وكان للرئيس عمر الرزاز جولات وصولات داخلية وخارجية ومنها من فتح عليه عش الدبابير ومثال ذلك قراره الشهير بسحب الحراسات والمرافقات والخدم والحشم من عتبات رؤساء الوزراء السابقين حيث أمر بأنهاء هذه المظاهر وتوفير مصروفاتها لجوانب أخرى مما اكسبه عداوة أصحاب الدولة وحظي بتأييد الشارع والمواطن العادي الذي بات يشاهد رئيس وزرائه بدون بهرجات ومواكب بل جُل زياراته تكون بسيطة وغير متكلفة ناهيك عن انه ما زال يقطن في منزله الخاص في اللويبدة رافضا منزل الرئاسة والمتوفر فيه كل أنواع وأساليب الرفاهية.
كما واستحدث الرزاز طريقة لبرنامج عمل ديوان المحاسبة والذي كان يصدر عنه تقرير سنوي بالتجاوزات في دوائر الدولة فامر ان يكون شهريا بدل سنويآ مما ضاعف في المال المسترد للخزينة من 21 مليون إلى 120 مليون في العام مثلما درج على استحداث الحزم الاقتصادية وبرامجها بكل شفافية وكان له السبق في ذلك ونذكر أيضا ان الرزاز نشط في المؤتمرات العالمية كمؤتمر دافوس ولندن وغيرها واستطاع اقناع رأس المال الدولي في فتح استثماراته وضخ أمواله في الاردن لوجود الأمن والأمان والبيئة الاقتصادية المرنة والمهيئة لنجاح المشاريع.
لقد كان خيار جلالة الملك في د. عمر الرزاز موضع ترحيب كافة القوى السياسية بأطيافها فدعمه وسانده في غالبية المفاصل والمواجهات والقرارات التي كان يحتاج فيها إلى أمر ملكي لانجازها فتبلور الدعم الملكي بداية وأثناء جائحة كورونا فركز جلالة الملك على ايجاد القوة الحكومية في الشارع والاستعانة بالجيش والاجهزة الامنية والقرار الصلب في تعطيل قوانين واتخاذ ما يلزم المرحلة من قرارات مصيرية.