الدكتور رجائي المعشر .. كيمياء الاقتصاد والسياسة في خدمة الأردن والاردنيين

زهير العزه

الكيميائي  القادم من بيت سياسي واقتصادي عريق لم يكن يتوقع ان الحياة ستدفع به الى مقدمة العمل العام  بعد  تخرجه بفترة  بسيطة .. ولكنه كان يؤمن ان القادم للاردن سيكون الافضل ، ولذلك قرر رجائي صالح المعشر الذي اندفع  نحو العلم  ان يحصل ايضا على  دكتوراه في  ادارة الاعمال عام 1971من جامعة الينوي في الولايات المتحدة الامريكية ، بعد ان كان قد حصل على البكالوريس في الكيمياء من الجامعة الامريكية في بيروت ، حيث سيحتاج  الوطن الى متخصصين في ادارة الملف الاقتصادي لهم قاعدة علمية تساير التطورالذي شهده العالم مطلع السبعينيات من القرن الماضي ، وايضا ترضي طموح الشاب الذي كان يرى ان العمل العام مسؤولية وطنية لا يمكن لاي شخص وطني ان يبتعد عنها .

الوزارة بالنسبة لابي صالح كما يعرف كل الاردنيين كانت وما زالت هي خدمة الوطن ، وتأبى نفسه ان  يرى نفسه اكبر من خدمة الوطن والعرش ،ولذلك  فعندما  كان يطلب منه ان يتحمل خدمة ما في اي موقع  كان يعتبر ذلك تكليفا لا تشريفا ، خاصة و انه يحمل مشروعا سياسيا  هدفه الاول والاخير الحفاظ على الاردن هويتا ونسيجا وعرشا وحدودا، وبالتالي لم تثنه جذوره البرجوازية عن الالتحام بقاعدة الحالة الوطنية الأردنية كرجل اقتصاد حمل خبراته واضطلاعه الفكري الى مقدمة العمل العام ،بالرغم انه قليل الكلام، ولكنه كثير الانتاج الاقتصادي والفكري .. بالاضافة الى ما يحمله من ايمان عميق لمبادئ الدولة الأردنية ومصالحها العليا وانسجامها الداخلي ودورها الإقليمي والدولي.

الوزير رجائي المعشر حمل تراثا خلفه له والده صالح المعشر احد رجالات الرعيل الاول الذين اسهموا في بناء الوطن ورفعته ،ولعل اجمل ما كنت اسمع عن معالي الدكتور رجائي المعشر هو وصف الصديق الراحل معالي الدكتور جمال الشاعر عندما يلتقيه او يلتقي معالي السيد مروان عبد الحليم النمر الحمود بقوله اهلا "اولاد الشهداء"، ويتبعها اهلا بشيوخنا ، وهذا يؤكد حب الاردنيين من ابناء السلط ومن رجالات الفكر للمرحومين صالح المعشر وعبد الحليم النمر ، والذي انعكس احتراما وتقديرا لنجليهما  معالي رجائي المعشر"ابا صالح" ومعالي ومروان الحمود "ابا العبد" ، وما ارتباط الدكتور رجائي الذي ولد في عمان  وترعرع في  بيوتها وشوارعها وحاراتها بمدينته السلط  الا تعبيرا عن هذا الحب والاحترام والتقدير الذي يكنه الرجل لاهله في السلط ،فهو يعرفها ويعرف شوارعها وحاراتها  ويعرف عائلاتها ، كما لم تغب مشاكلها وهمومها عن باله في اي وقت ولم تأخذه انتشغالاته عن التعامل مع قضايا اهلها واحتياجاتهم  .

  الاقتصادي والسياسي الاردني  رجائي المعشر والمولود في عمان عام  1944 دخل الوزارة  كما قلنا سابقا  بعمر الشباب  في الوزارة الثانية لحكومة السيد زيد الرفاعي حيث مثل وجهة نظر البرجوازية الوطنية الاردنية وكان بذلك يمثل دورا سياسيا وليس  دورا وظيفيا ما مكنه دائما من طرح وجهة نظره وارائه بكل شجاعة وصراحة ،ومن العمل كمدير دائرة في الجمعية العلمية الملكية ، اختير وزيرا بعد ان اسند دولة زيد الرفاعي حقيبة الاقتصاد الوطني في حكومته الثانية عام 1974 ، ليعود الرئيس ويسند اليه في حكومته الثالثة حقيبة الصناعة والتجارة ، وهي الحقيبة ذاتها التي اسندها له دولة مضر بدران في حكومته الاولى عام 1976 ، ليبتعد ابو صالح عدة سنوات عن الفريق الحكومي ويعود للانضمام اليه مجددا عام 1985 في الحكومة الرابعة والاخيرة لدولةزيد الرفاعي حيث اسند له حقيبة وزارة التموين والصناعة والتجارة ، الا انه استقال من منصبه مطلع عام 1988 قبل ان تنهي الحكومة ولايتها ...ثم عاد ليتولى منصب نائب رئيس الوزراء عام 2009 في حكومة دولة سمير الرفاعي، وتم تعيينه نائباً لرئيس الوزراء في حكومة دولة عمر الرزاز في 14 يونيو/حزيران  2018ومن ثم  صدرت الإرادة الملكية  في مطلع2020  بتعيينه عضوا في مجلس الأعيان.

الدكتور رجائي المعشر  الهاديء والمثقف والذي تعلو وجهه الابتسامة دائما ، تتجلى فيه طيبة الاردني الذي لم يدر ظهره لهموم امته وقضاياها ، لذلك تجد حضوره في مجلس الاعيان له وقع ومتابعة من غالبية الاردنيين  في المجالات  السياسية والرقابية والتشريع ، ومساهماته في طرح الاراء الخاصة بمشاكل الاقتصاد الاردني وخاصة ما طرح قبل فترة حول الحلول التي من خلالها نستطيع مواجهة ازمة  جائحة كورونا، ومن هنا كان الرجل رافضا ان يجلس في زاوية الوطن كما يفعل البعض بعد خروجهم من الموقع الرسمي وكأن شيئا لا يعنيه، بل على العكس فأن تجربة الرجل تشير الى انه بعد خروجه من المسؤولية العامة لا يتوانى ان يقدم النصح والمشورة والفكرة  خدمة للوطن، فالمباديء التي تربى عليها على يد والده صالح المعشر وعلى يد خاله الصيدلاني معالي السيد انيس المعشر وعائلته وعشيرته من ال دبابنه ، واهل بلدته السلط ، وكل رجال الوطن اصحاب الرؤية التي ترى الحفاظ على الوطن وهويته واجبا على كل الاردنيين ، تدفعه دائما لان يكون في المقدمة مشاركا في محاضرة او كاتبا لمقال او مشاركا في منتدى ، من اجل  الحض على التقدم بالوطن نحو الامام .

ان فكرة ان يكون للاردن اقتصاده الوطني المعتمد على مقدراته وعلى سواعد ابنائه مثلت دائما هاجسا للدكتور رجائي المعشر ولذلك كان الاهتمام بانشاء المصانع والمؤسسات الوطنية التي تساهم في التخفيف من الاعتماد على الخارج  ورهن الاقتصاد الوطني بالمؤسسات الدولية التي تسعى للهيمنة على القرار السياسي للدول عبر الاقتصاد ومن هنا  ساهم في تأسيس العديد من الشركات منها شركة المنظفات الكيماوية وشركة السلفوكيماويات، وفي عام 1981 أسس الشركة الأهلية للاستثمارات العامة التي أصبح اسمها لاحقا الشركة الأهلية للاستثمارات المالية، وتحولت إلى بنك الأعمال عام (1990) ولاحقا أندمج هذا البنك مع البنك الأهلي في بداية عام 1997.

الدتور رجائي المعشر حاجة وطنية واقتصادية وسياسية اتفقت او اختلفت معه او مع نظرته او توجهه، فما قدمه الرجل للوطن لا يمكن ان يتم الكتابة عنه ببضع كلمات او مقالة ،وما يمكني القول فيه هو ما قاله  الشاعر البحتري عن مكارم الرجال  وخصالهم  حيث قال :   

وما تخفى المكارم حيث كانت

ولا أهل المكارم حيث كانوا

 وكذلك ما قاله الشاعر البدوي

حنــا النشامى وتشهد لنا سروج الخيل ... ســـروج الركايب فـــزعة اللي نــوده.

حنا النشامى هـــل المــــــواعين المثاقيل .... هل دلالٍ عامرة ما طفى نارها ولا هــدا.

 

 zazzah60@yahoo.com
tell : +962776728081