الجلوس الملكي والتحولات البنيوية والأستراتيجية وتجلياتها المعاصرة .. بقلم النائب السابق / د. ردينة العطي
بقلم / د. ردينة العطي
منذ إستلام جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه مهامه الدستورية وضع نصب عينيه إستهداف الوعي الجمعي الأردني ومنطلقاته الفلسفية والفكرية من أجل الأرتقاء بها الى مستوى من التطور والحداثة والمعاصرة من خلال إستراتيجية ملكية ترتكز على المشاركة الفعلية في صناعة القرار وأعني هنا بالفعلية اي الحقيقة من خلال توسيع دائرة المشاركة الشعبية والمجتمعية والمدنية في صناعة القرارات في كل الأبعاد الخدمية والمعيشية اليومية والأجتماعية والاقتصادية والأهم من ذلك كله المشاركة السياسية كهدف استراتيجي وضعه جلاله الملك نصب عينيه من خلال اسشرافه الفرد للتطورات والتحولات العميقة التي ستواكب حركة التاريخ السياسي في المنطقة
وأعني هنا بما تمخص عن الربيع العربي والذي كان جلالة الملك قد تلمس بواعثه منذ عقد قبل تلك التحولات ولذلك كانت المهمة الأستراتيجية لجلالته هو في مخاطبة عمق الوعي الجمعي الأردني وتهيئته وتأسيسه لاستيعاب مراحل الإصلاح الشامل كمشروع أستراتيجي متدرج دون الذهاب إلى تحولات دراماتيكية صادمة كما حصل في معظم دول الأقاليم
هذا الاستشراف الملكي والذي بدأ بمشروع ضخم وهو مشروع الإصلاح الشامل والتدرج والذكاء السياسي في فهم مقومات وثوابت الشعب الأردني في كل بناءه الهرمي من أدنى إلى أعلى ومن اعلى إلى ادنى
فقد طرح جلالته اوراقه النقاشية من أجل أن يعيد تأهيل الوعي الجمعي على مفهوم تجسير الهوة بين القيادة السياسية للدولة وعموم فئات المجتمع فلم تطرح الأوراق النقاشية كخارطة طريق جبرية يجب التقيد والألتزام في تتفيذها ومن حنكته أن عناوينها كانت نقاشية اي ترسيخ مفهوم الحوار المجتمعي حول القرارات الاستراتيجية للنظام السياسي الأردني بكليته وهذا يعني مشاركة الكل الأردني في الحوار حول هذه الأوراق واستخلاص برامج عمل من خلالها تكون بالتوافق والمشاركة الكلية بعيدا عن الجبرية النخبوية المنعزلة كليا عن الهموم المباشرة والطموحات وآمال الشعب الأردني .
كل ذلك صنع تحولا حقيقيا في الوعي الجمعي الأردني الذي أستوعب واستقبل بكل شغف مراحل التحول الإصلاحي ومشروع التمكين الديمقراطي الناجز وهذا هو بالضبط ما جعل المجتمع بعيدا عن الأرتدادات الزلزالية التي عصفت في دول الأقليم والتي كانت تبحث عن مشروع مماثل ولكن بصدام مباشر مع الأنظمة السياسية مما أدى إلى اخفاقها في ترجمة طموحاتها الإصلاحية والديمقراطية وذلك لأن الصدام كان غير متدرج ودون أن تأني وصدام كانت قوى الشد العكسي في أوج قوتها
وادت إلى الارتداد عن طموحات واهداف الربيع العربي كل ذلك يحسب لجلالة الملك وقدرته الاستشرافية على أن الحركة السياسية في التاريخ العربي سوف لا تستقر إلا إذا ترجمت الشعوب لاهدافها في التمكين الديمقراطي.
اذا نظرنا من هذه الزاوية نرى كم إستطاع الأردن أن ينئى بنفسه
عن الدم وعدم الإستقرار والطحن السياسي الذي أدى إلى إنهيار دول وجماعات سياسية ارتدت على كل مفهوم الوعي الجمعي العربي وأدى إلى احباطه لذلك يجب على كل أردني أن يفاخر في قدرة جلالته على إستشراف آليات التطورات السياسية وتبعياتها هذا الحجم من المشاركة وتجسير الهوة ومأسسة العمل الوطني تجلى بأبها صورة في الانعطافة الكارثية لجائحة كورونا فكان الأردن على الإستعداد الكامل من ادنى إلى أعلى ومن أعلى إلى أدنى كبنيان مرصوص في المواجهة والسبب الحقيقي وراء ذلك هو ما زرعه جلالة الملك على حوار عشرين عاما من تجسير الهوة بين القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للنظام السياسي الأردني وعلى راسه جلالة الملك المفدى والشعب الأردني
فكانت تجليات الأوراق النقاشية في إطارها المعاصر في تلك المواجهة الكبرى غير المسبوقة في التكامل والتعاون والأسناد البيني مما أدى إلى نجاح حقيقي ينظر له بأعجاب دولي في مواجهة معركة مصيرية كانت تستهدف كل ابناء المجتمع وامنه الصحي والاجتماعي ولو لم نكن مهيئيين لهذا التجسير لكان انعكاسات ذلك على الأردن بحكم موقعه الجيوسياسي كارثية لا سمح الله وهذا هو التجلي الحقيقي لمفهوم الجلوس الملكي ومشروع الإصلاح الشامل الذي رسخه في بنية وعينا جلالة الملك المفدى فشكرا لك وشكرا لأحتواء تتاقضاتنا فصنعت إصلاحا وتغيرا محافظا على الثوابت القيمية للرسالة الهاشمية القومية والعروبية وسنكون كتفا إلى كتف وجنبا إلى جنب بأستكمال مهام التحول الديمقراطي الناجز .