“قانون قيصر” .. هل تنجح أميركا في “تدجين” سورية؟

بعد مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي على قانون "قيصر لحماية المدنيين السوريين” والذي ينص على فرض عقوبات على سورية، وكل من يدعم النظام السوري ماليا أو عينيا أو تكنولوجيا، أكد مراقبون أن "تأثير القانون على النظام مرتبط بشكل مباشر بالظروف المصاحبة لتطبيقه”.


وتهدف الادارة الأميركية من القانون الذي وقعه الرئيس دونالد ترامب، ودخوله حيز التطبيق والتنفيذ في السابع عشر من الشهر الحالي، إلى جر النظام السوري للعملية السياسية، وإجباره على الرضوخ للقرارات الدولية.
ويقول استاذ العلوم السياسية د. خالد شنيكات، إن البدء بتطبيق قانون قيصر، والذي يتضمن عقوبات اقتصادية على النظام المالي والاقتصادي وعلى الشخصيات الاقتصادية، وعلى كل الدول والشركات والبنوك والافراد الذين يتعاملون مع النظام السوري، سيؤدي إلى "شل القدرة الاقتصادية للنظام والطبقة الاقتصادية العامة للشعب السوري، خصوصا مع انهيار الليرة السورية إلى مستوى 2000 ليرة للدولار”.


وأضاف، ان القانون "سيفرض قيودا على البنوك التي كانت تتعامل مع النظام كما هو الأمر بالنسبة للبنوك اللبنانية والشركات والافراد أيضا، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران وروسيا”، موضحا أن القانون الأميركي "يهدف ليس لتغيير النظام السوري كما يقولون، بل إلى إحداث تغيير في سلوكه مثل انسحاب إيران من سورية، ووقف ما تسميه الولايات المتحدة الأميركية دعم المنظمات الإرهابية، وهذا يعني دفع النظام للقيام بعملية تغيير سياسي، أو انتقال سياسي”.


ويضيف، "الحقيقة أن النظام السوري حقق نتائج كبيرة على مستوى الإمساك بالأرض، وحصر المعارضة في مناطق محدودة، وبينما تراهن الادارة الاميركية على قانون قيصر لإحداث تغيير جوهري، فإن من المتوقع أن "يتأثر الشعب السوري بالقانون بدرجة كبيرة في ظل الارتفاع الكبير للأسعار وتراجع قيمة عملتهم، بالإضافة لوجود عوامل سلبية أخرى مثل جائحة كورونا، والصراع الذي برز بين رامي مخلوف والنظام”.


وأشار الى أن التجربة التاريخية أثبتت أن الشعوب هي من تتأثر بالعقوبات، ومن المتوقع أن تتأثر الشركات الروسية بالعقوبات وخاصة العاملة في مجال الطاقة، وقد تنسحب من العمل في سورية”.


وعلى مستوى السيطرة على الأرض، يقول شنيكات: من غير المتوقع حدوث تغيير في السيطرة على الأرض، ولكن من "المتوقع جدا حدوث تراجع حاد للتجارة البينية بين الأردن وسورية التي كانت تتم على مستوى الأفراد والحكومة بين الطرفين، وذلك تجنبا للعقوبات الاقتصادية المترتبة على التعاون الاقتصادي بين البلدين التي يفرضها قانون قيصر”.


وأطلق على القانون اسم "قيصر” نسبة إلى مصور عسكري سابق في الشرطة العسكرية السورية يعرف باسم مستعار هو "قيصر”، استطاع الهرب من سورية صيف العام 2013 حاملا معه 55 ألف صورة مروعة تظهر جثثا تحمل آثار تعذيب.


ويفرض القانون عقوبات على الرئيس بشار الأسد ويلاحق الأفراد والشركات التي تمول النظام سواء أكانوا سوريين أو أجانب، كما يسمح بتجميد أصولهم ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية.
كما يستهدف القانون المصانع العسكرية والبنى التحتية والمصرف المركزي في سورية، كما يسمح القانون بمعاقبة روسيا وإيران في حال استمرارهما في دعم الرئيس بشار الأسد.


من جهته، يرى المحلل السياسي الدكتور زيد النوايسة، ان الانهيار المتسارع في سعر الصرف الليرة السورية امام الدولار وقبيل دخول قانون قيصر حيز التنفيذ في السابع عشر من حزيران الحالي، "لا يمكن قراءته بمعزل عن إصرار الإدارة الاميركية على فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية وشل الاقتصاد السوري وقطع خطوط التبادل بين حكومة النظام وحلفائه”.


وتأمل الإدارة الأميركية من القانون، بحسب النوايسة، أن تستجيب سورية الرسمية لشروط الحل السياسي وبصيغة تتوافق مع ما يطلبه حلفاء الولايات المتحدة من المعارضة السورية التي فشلت في تحقيق انجاز عسكري على الأرض بفعل التحالف السوري مع روسيا وايران، ونتيجة لتغير مقاربة إدارة الرئيس ترامب من فكرة اسقاط النظام والتي تبنتها إدارة أوباما الى فكرة تغيير سلوك النظام وفصله عن حليفه الإيراني واستتباعا للعلاقة مع حزب الله اللبناني الذي يعيش أزمة كبيرة نتيجة الحصار المفروض على ايران وتداعياتها ماليا وسياسيا عليه ونتيجة حالة الانسداد السياسي في لبنان.
ويضيف، "الولايات المتحدة الأميركية وعلى لسان مبعوثها للأزمة السورية جيمس جيفري تعترف بأنها تتحرك في هذا الاتجاه بحيث يساهم انهيار الاقتصاد السوري في زعزعة اركان حكم الرئيس بشار الأسد لكن الواضح ان الكلفة الكبيرة سيدفعها المواطنون السوريون وليس فقط النظام”.


وتابع، من المؤكد ان تداعيات كبيرة ستواجه الحكومة السورية بفعل قانون قيصر الذي سيبدأ خلال الأيام القليلة القادمة لكن "من المبكر الحكم على قدرة هذه العقوبات على تحقيق ما عجزت عنه الحرب الداخلية خلال عشر سنوات، ربما لأن فكرة الضغط بالعقوبات الاقتصادية على الحكومة السورية ليست جديدة، فقد تعرضت سابقا لذلك وهي الآن واقعة تحت عقوبات أميركية أوروبية”.


ويضيف” لكن خطورة هذا القانون، كما يقول النوايسة، انه "سيساهم في فرض مزيد من العزلة على الحكومة السورية، وخلق مخاوف لدى أي طرف عربي واقليمي من الانفتاح وخرق العقوبات لأنه سيتعرض لعقوبات اميركية وربما حصار”.


ويرى النوايسة انه يتوجب علينا أن "ننتظر في النهاية مآلات المشهد الأميركي الإيراني، وما اذا كان سيتوصل الطرفان لتفاهم حول البرنامج النووي لأن سورية ستكون حتما حاضرة في هذا الاتفاق، دون ان نغفل دور روسيا والى أي مدى ستوافق على الضغط الأميركي على حليفها السوري بعد كل التضحيات التي قدمتها حتى تبقى سورية ضمن دائرة نفوذها”.


وكان المبعوث الأميركي لسورية جيمس جيفري اعتبر أن العقوبات المشمولة بقانون "حماية المدنيين السوريين” المعروف بقانون قيصر، ستطال أي نشاط اقتصادي بشكل تلقائي، وكذلك أي تعامل مع النظام الإيراني.
ويقول الخبير القانوني الدكتور رياض الصرايرة، ان القانون لا يقتصر على التهديدات التي تطلقها الادارة الاميركية فحسب، بل يشمل أيضا لتعليق العقوبات في حال تخلت الدولة السورية عن سياساتها الحالية، "إيجاد بيئة مناسبة لانطلاق العملية السياسية بما في ذلك الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف استهداف المدنيين، وايقاف قصف المرافق الحيوية، ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب، ووقف استخدام السلاح الكيماوي والإفصاح عن مخزوناته، والسماح بعودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين والمهجرين قسريا”.


لكنه يضيف، إن "الدولة السورية تستطيع مواجهة قانون قيصر من خلال علاقاتها مع الدول الصديقة مثل روسيا والصين وبعض دول آسيا وأفريقيا ودول الجوار كالعراق والأردن ولبنان، كما يمكن إطلاق شعار الاعتماد على الذات الذي طرحه الرئيس السابق حافظ الاسد في ثمانينيات القرن الماضي عندما فرضت الدول الغربية حصارا على سورية”.


وتوقع الصرايرة ان تأثيرات القانون لن تكون بدرجة كبيرة، "فسورية تعيش نوعا من الحصار منذ العام 2011، عندما قامت أوروبا وأميركا بفرض حصار عليها، وشاركت فيه بعض الدول العربية، لكن الوضع الآن تغير وباتت العلاقات السورية العربية أفضل مما كانت عليه سابقا”.