الحد من عمالة الأطفال على سلم الأولويات الاجتماعية
دفعت الظروف المعيشية لطفل في الحادية عشرة من عمره للعمل في مجال تحميل وتركيب اسطوانات الغاز في المنازل، في ظل الضائقة الاقتصادية لأسرته التي زادتها ازمة الكورونا سوءا، ففي الوقت الذي يتعلم فيه الأطفال عن بعد في الحظر، يقوم بتأدية عمله بظروف تفتقر الى شروط السلامة العامة ودون الالتزام بالاجراءات الاحترازية كارتداء القفازات والكمامات.
ويضطر طفل آخر، 14 عاما، للعمل في مجال توصيل طلبات المطاعم إلى المنازل، لتوفير قوته وقوت اسرته مفتقدا هو الآخر لشروط السلامة العامة، رغم توصيات منظمة الصحة العالمية باتباع سبل الوقاية من المرض، ذلك أن احتمالات إصابة الأطفال بالكورونا وإمكانية نشرهم للعدوى لا تختلف عن الفئات العمرية الأخرى.
وبين خبراء ومختصون ان هؤلاء الأطفال ممن فرضت عليهم أحداث الأزمة العمل، تستدعي الضرورة اتخاذ اجراءات عاجلة على مستوى السياسات الاجتماعية، وتطوير سياسات الحد من الفقر والبطالة.
ودعوا من خلال وكالة الأنباء الأردنية (بترا) بمناسبة اليوم العالمي لعمالة الأطفال والذي يصادف اليوم الجمعة ويعقد تحت عنوان (جائحة كوفيد - 19: حماية الأطفال من عمالة الأطفال الآن أكثر من أي وقت مضى)، إلى تحسين الظروف الاقتصادية لأسر الأطفال المعرضين للانخراط في سوق العمل، وتفعيل دور صندوق التعطل، وربط الأسر المتضررة بشبكات الأمان الاجتماعي، والعمل على تأمين الحماية الاجتماعية والصحية للطفل من مخاطر انتشار عدوى فيروس كورونا.
ودعا رئيس جمعية اطباء الحساسية والمناعة الدكتور هاني عبابنة إلى إلزام الاطفال الصغار بالشروط الصحية والوقائية وبشكل مضاعف عن الكبار، خاصة أولئك الذين تفرض طبيعة عملهم الانتقال من مكان إلى آخر، مما يعرضهم للاصابة بالمرض ونشر العدوى، مثلما دعا الجهات المعنية الى تشديد الرقابة على اصحاب العمل خوفا من استغلالهم في الاعمال الخطرة.
وشددت وزارة العمل في بيان صحفي، على عدم تهاونها مع حالات عمل الأطفال ومخالفة أصحاب العمل ممن يشغلون أطفالا خلافا للقانون، مشيرة إلى قيامها بزيارات تفتيشية بلغت 2711 زيارة خلال الربع الأول من العام الحالي، نتج عنها التعامل مع 396 حالة عمل أطفال، وتوجيه 250 إنذاراً و110مخالفات بحق أصحاب العمل.
ورجحت منظمة الصحة العالمية عبر موقعها الالكتروني، أن تدفع الأزمة ملايين الأطفال المستضعفين إلى سوق العمل، إذ يقدر وجود نحو 152 مليون طفل في سوق العمل، 72 مليون منهم يمارسون أعمالا خطرة، ويواجهون ظروفا أكثر صعوبة ويعملون لساعات أطول.
وعرّفت اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من المنظمة العامة للأمم المتحدة في العام 1989 الأطفال بأنهم جميع الأشخاص الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 عاماً، وقد تم بناء على ذلك تقسيمهم إلى فئتين: الأولى تتمثل في الأطفال دون سن 16 عاما، ويحظر تشغيلهم بأي شكل من الأشكال، والفئة الثانية تتمثل في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 إلى 18 عاماً، يسمح بتشغيلهم في مهن غير خطرة وغير مضرة بالصحة.
وأوصت منظمة العمل الدولية، بمناسبة هذا اليوم ببناء وتوسيع أنظمة الحماية الاجتماعية واتباع سياسات تساعد في التخفيف من الضعف الاقتصادي للأسر، وتحسين فرص الالتحاق بالمدارس والاستثمار التعليمي المجاني الجيد، وتدعيم الرعاية الاجتماعية، وتعزيز الحماية القانونية لمكافحة هذا النوع من العمالة، وتعزيز العمل اللائق، وتحسين إدارة أسواق العمل والمنشآت الأسرية.
وقال الأمين العام لوزارة العمل الأسبق المحامي حمادة أبو نجمة، إنه في ضوء الآثار الإقتصادية لجائحة كورونا وتداعياتها على الأسر، دفع العديد منها تشغيل أطفالها لتعويض الدخل الذي فقدوه، والمتوقع أن يصل عددهم إلى 400 ألف أسرة، إذ يتم استخدام الاطفال في أعمال قد لا يستطيع الكبار ممارستها إما لانخفاض الأجور فيها أو لتفضيل بعض أصحاب العمل تشغيل الأطفال فيها لسهولة السيطرة عليهم واستغلالهم، وكذلك تشغيلهم في أعمال لا ترتبط بصاحب العمل كأعمال البيع في الشوارع.
وشدد أبو نجمة، على أهمية وضع استراتيجية وطنية جديدة للحد من عمل الأطفال، وتفعيل دور اللجنة الوطنية لعمل الأطفال ووضع نظام خاص ينظم عملها ومهامها وآلية اجتماعاتها، ومراجعة الإطار الوطني، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية خاصة بعمل الأطفال.
وأشار أبو نجمة وهو رئيس بيت العمال للدراسات والأبحاث، إلى أنه تم إعداد تقرير بعنوان (توقعات تزايد أعداد الأطفال العاملين في زمن الكورونا)، يوصي فيه باتخاذ إجراءات عاجلة على مستوى السياسات الاجتماعية، وتطوير سياسات الحد من الفقر والبطالة، وتحسين الظروف الاقتصادية لأسر الأطفال المعرضين للانخراط في سوق العمل، وتفعيل دور صندوق التعطل، وشمول عمال المياومة والعاملين لحسابهم الخاص بمظلة الضمان الاجتماعي، وربط الأسر المتضررة بشبكات الأمان الاجتماعي، وتوفير الخدمات والبرامج التي تحارب الفقر وأسبابه وبشكل خاص بتوفير بدائل إقتصادية للأسر.
وبين مدير المرصد العمالي أحمد عوض، أن مختلف المعطيات تشير إلى أن عمالة الأطفال ستزداد جراء أزمة كورونا وتداعياتها، نتيجة ازدياد معدلات الفقر والبطالة، ذلك أن غالبية الأطفال العاملين ينحدرون من أسر فقيرة، تضطر لدفع أبنائها إلى سوق العمل للمساهمة في توفير دخل لها، محذرا من ازدياد عمالة الاطفال.
ودعا إلى أهمية بناء منظومة الحماية الاجتماعية على أساس معايير حقوق الانسان وارضيات الحماية الاجتماعية، واعادة النظر بسياسات الأجور باتجاه زيادتها بما يتواءم مع مستويات الأسعار المرتفعة في الأردن.
خبير علم الاجتماع الدكتور مجد الدين خمش، قال إن مكافحة عمل الأطفال بحاجة إلى مزيد من تكاتف الإجراءات والتعاون بين القطاعين العام والخاص، وبناء شراكات مع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لحماية الأطفال من الاستغلال، موضحاً أهمية رفع مستوى الدخل لأسر الأطفال العاملين وإيجاد بدائل اقتصادية لهم، وتعزيز دور الإعلام في نشر الوعي بخطورة عمل الأطفال.
وبين أهمية توفير الحماية للأطفال من جميع أشكال الاستغلال الاقتصادي، وبناء منظومة شاملة لحمايته، وانشاء نظام متكامل لجمع المعلومات المتعلقة بالاطفال من خلال التشجيع على إجراء الدراسات الميدانية والبحوث المتعلقة بأوضاع الأطفال العاملين، وتأثير ذلك على منظومة المجتمع.
ودعت الباحثة الاجتماعية هيا الطراونة، إلى تعزيز دور المؤسسات المعنية للعمل على رسم سياسات وأطر تنظيمية وخطط وبرامج للحد من عمالة الأطفال، وإيجاد قاعدة بيانات وطنية خاصة بهذا النوع من العمالة، مع العمل على تحديث الإحصاءات وزيادة الدراسات النوعية بمجال تقييم السياسات الاجتماعية لعمالة الأطفال، بما يسهم نتائجها في رسم السياسات واتخاذ القرارات المناسبة