ليس دفاعاً عن محمد المدني .. بقلم : ميساء أبو زيدان
بقلم : ميساء أبو زيدان.
نشهد بين الفينة والأخرى حملات منظمة ضد القيادي عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد المدني التي لم تأتِ في وقتٍ محدد أو فور موقفٍ معين وانتهت بل نلمس الحرص الواضح على الاستهداف الدائم له، والسبب أن كل مَن يعمل على خلق فرصة من شأنها إرساء القواعد التي تضمن الوصول لمستوىً معين من التكافؤ وبالتالي صنع ثقافة العيش المشترك المُستندة للحقوق الوطنية الفلسطينية والمحددات الدولية المرتبطة بحل الصراع يصبح هدفاً ضمن قائمة استهدافٍ صاغها مَن يحكم الإسرائيليّن ثيوقراطييّ الفكر والتكوين وعبر مؤسسةٍ تنتهج السياسات المختلفة لاقتلاع الفلسطينيّن من أرضهم تنفيذاً لاستراتيجيةً التطهير العرقي التي قامت عليها دولتهم.
لقد بدأت حملاتهم تلك ضد محمد المدني منذ أكثر ما يُقارب العِقد واتخذت مضامين مختلفة واستخدمت لغاتٍ شتى عبر أدواتهم التي جاءت لهكذا وظيفة، كما مثيلاتها من الحملات التي تستهدف عناوين فلسطينية محددة بخلاف استهدافهم الدائم للرئيس الفلسطيني (محمود عباس)، ويبدو أن تلك الحملات بدأت منذ أن تم تكليفه من قِبل القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بملف التواصل مع المجتمع الإسرائيلي الأمر الذي قضّ مضجع اليمين الإسرائيلي وقادته إذ أن مثل تلك المحاولات تعترض دأبهم في تجسيد مزاعم الرواية الصهيونية القائمة على التزوير والتدجيل، والتي بإمكانها أن تعزز من فرص التواصل مع قوى اليسار الذي بات في حكم الغائب عن المشهد الإسرائيلي بخلاف الوجود العربي الفلسطيني الذي يعتبرونه القنبلة الديموغرافية المُعيقة لمشاريع تفوقهم العرقيّ.
ولعل المشهد الأخير الذي تجلى بِفعلِ إرادة القِوى العربية بالذكرى الثالثة والخمسين لعدوان حزيران عام 1967 عبر المظاهرة التي احتشد فيها الآلاف من الفلسطينيين واليهود الديموقراطيين المطالبين بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي والمنتصرين للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني هو أحد المشاهد التي لم تمر على قادة اليمين الإسرائيلي وزعمائه مرور الكِرام فهم يدركون جيداً معنى أن يُرفعَ العلم الفلسطينيّ في ساحات تل أبيب ولِما تؤشر الأصوات اليهودية التي نادت لإعلاء الحق الفلسطيني ودحر الإحتلال. هم يعوّا تماماً خطورة كل صوت يعلو ضد استمرار الإحتلال عليهم، وأن كل مسعىً ينشد السلام والعيش المشترك سيعيق من مخططهم التوسعي الإحلالي الذي لَن يكون إلا بإنهاء الآخر وبكل ما أوتوا.
مجموع تلك الحملات المُستهدَفة لثقة الفلسطيني بإرادته ووبقدرته على الصمود وحماية حقه الوطني تأتي في الوقت الذي يُحاصَر فيه الفلسطينيّون من كلِّ حدبٍ وصوب وهم في خِضم التصدي للمخططات الصهيو-أميركية، فتارةً تُشكك بجدوى نضالهم وتمسكهم بحقهم في تقرير المصير وتارةً أخرى تعمل على تشويه البعد الوطني لهويتهم وقرارهم وإطارهم الجامع تمهيداً لتمرير المشاريع المتأسرلة البديلة، إلى جانب المحاولات الدائمة لإضعاف صلتهم بعمقهم العربي عبر حملات التطبيع الإسرائيلية الوهمية المرتكزة لغياب التنمية في منطقتنا العربية التي لا زالت بطور المستهلك لكل ما أنتجه الآخر وبكافة المناحي، والكثير من المحاولات التي تسعى لدفع الفلسطيني كي يتنازل عن حقه وحماية وجوده والقبول بأية سقوف يحددها اليمنيّون الإسرائيليون. إن أية قيادة تُجسد الوطنية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية تُعتبر التهديد الرئيس الذي يقف حائلاً أمام أطماع الإسرائيليّن ومشاريعهم الإقتلاعية التوسعية لذا فإن استهدافهم من قبل قادة الإحتلال الإسرائيلي عبر مؤسساته المختلفة هو الهدف الدائم لهم ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بغض النظر عن أساليب ووسائل الاستهداف.
معقدة هي مأساة الفلسطينيين؛ لكنها تتعاظم عندما ترتبط بواقعهم الداخلي الذي يأتي بمجمله انعكاساً لما أفرزه هذا الصراع من تراكم متداخل الأبعاد وبكافة المستويات، ففقدان التكافؤ بين طرفيّ الصراع يكفل استمراره بالشكل المُستَنزِف للفلسطيني خاصةً وأنه لا زال في طور مقاومة العدو المجهول الذي استحال الأقوى في وعيه إذ أنه صيغَ بما يضمن عدم الاقتراب من الآخر كما اقترب الآخر منه بل وتغلغل فيه، إن عملية تحريم الوجه الأهم من النضال القائم على مقاومة الحضور لهذا الاحتلال تمنح الآخر كسب عامل الوقت لصالحه بحيث بات كُل مَن تجاوز مقاومة الصمت والغياب واقترب من الآخر فهماً وحضوراً بهدف تعريته ووضعه في إطاره الفعلي لإعلاء الحق الفلسطيني مهدداً في وطنيته لصالح مشاريع اليمين الإسرائيلي المتطرف كما حدث مع محمد المدني وغيره من القيادات الوطنية التي تسعى لاختراق التابوهات المزيفة باتجاه تصليب الموقف وصون الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.