نقابة المعلمين أداة الاخوان المسلمين في مواجهة الحكومة ..!!
طارق دليواني
يمرّ الأردن في ظرفٍ استثنائي قاسٍ اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وتتكالب عليه أزمات مصيرية، بعضها وجودي كالصراع مع إسرائيل في ملف خطة الرئيس الأميركي للسلام وضمّ الضفة والأغوار، وآخر اقتصادي مُلحّ وضاغط، لدولة بلا موارد تقريباً وتعتمد أساساً على المنح والمساعدات الدولية، وثالث اجتماعي بنيوي تغذّيه تحوّلات جذرية في المجتمع الأردني منذ أزمة الخليج عام 1990.
وسط هذه الأزمات المتلاحقة، جاءت أزمة حلّ نقابة المعلمين، كواحدة من تجلّيات العلاقة المضطربة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها الأكبر في البلاد وإحدى الأدوات المؤثرة لدى الجماعة لتحقيق مكاسب حزبية وسياسية بعدما بدأ رصيدها الشعبي بالنفاذ.
ووسط اتهامات للنقابة بأنها حادت عن الطريق "النقابي" وباتت مختطَفَة من جماعة سياسية، بدا أن التاريخ الأردني يعيد نفسه، إذ تأسّست أول نقابة للمعلمين الأردنيين في مطلع خمسينيات القرن الماضي، لكنها حُلَّت عام 1956.
أجندات حزبية
يسوق وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي، في معرض تبريره لإغلاق النقابة مدة عامين، اتّهامات لإدارتها بأنها توظّف قضايا المعلمين لخدمة أجندات حزبية، في إشارة واضحة إلى جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي.
لكن بداية الأزمة تعود إلى أوائل سبتمبر (أيلول) 2019، بعدما نفّذ المعلمون أطول إضراب في تاريخ المملكة ولمدة شهر كامل، للمطالبة بعلاوات على رواتبهم، وانتهى باتفاق مع الحكومة لم يدم طويلاً بفعل أزمة كورونا التي أجبرت الحكومة على وقف العمل بكل الزيادات والعلاوات لموظفي الدولة بِمَن فيهم المعلمين حتى نهاية عام 2020.
ويحاجج مسؤولون في نقابة المعلمين الأردنيين على عدم ارتباط نقابتهم بجماعة الإخوان المسلمين، فيما يؤكد مراقبون أن الجماعة تسيطر على النقابة وتحتفظ بغالبية مقاعد مجلسها وفي مقدّمهم نائب النقيب الذي أعلن صراحة وخلال مهرجان خطابي انتماءه إليها، بينما كان النقيب السابق للمعلمين أحد المنتمين إلى الجماعة أيضاً.
أما وزير الداخلية سلامة حمّاد، فقد تحدّث أكثر من مرة عن لغة التحدّي والاستقواء على الدولة التي تتبنّاها النقابة وتتقاطع مع لغة الجماعة وخطاباتها خلال التظاهرات والتجمعات التي تنظمها.
التقاطع الأبرز ما بين النقابة والجماعة بعيداً من المعلومات التي تمتلكها الدولة حول عدد مَن ينتمون للإخوان في صفوفها، كان بالتصعيد والصدام مباشرة بعد أيام قليلة فقط من حلّ الحكومة لجماعة الإخوان المسلمين واعتبارها غير قانونية، الأمر الذي اعتُبر محاولة للردّ على القرار الحكومي الكفيل بإنهاء تنظيم سياسي تجاوز عمره الـ 75 عاماً.
ربيع أردني لم يأتِ
في ربيع عام 2011، ومع انطلاق ثورات الربيع العربي في دول مجاورة، ظنّ الإخوان المسلمون في الأردن أن الفرصة باتت مؤاتية ومتاحة لمزاحمة النظام والحكومة على موطئ قدم، وبدافع نشوة النصر المؤقت الذي حقّقوه في مصر، تجاوز إخوان الأردن الخطوط الحمر، وعلا سقف هتافهم إلى حدّ المطالبة برحيل النظام، مستغلّين حركة الشارع، لكنهم سرعان ما بدّلوا شعارهم من إسقاط النظام إلى إصلاحه، بعدما تغيّرت الأحوال والمعطيات على الأرض.
اتُّهمت جماعة الإخوان المسلمين في حينه بالانتهازية وركوب موجة الحراك واستغلال غضب الشارع الأردني المتذمّر من سوء الأوضاع الاقتصادية، فردّت أنها مكوّن أساسي في الحياة السياسية الأردنية لا يمكن إغفاله أو تجاهله.
منذ ذلك الحين، تواجه عمان حرباً شرسة، وهي تحاول عبثاً التوازن والتأرجح في قراراتها ضدّ جماعة الإخوان المسلمين، حتى بدا أنها تتّخذ قراراً لا رجعة فيه باتجاه إنهاء وجود الجماعة تدريجاً وعبر سياسة الأمن الناعم.
مغالبة لا مشاركة
تصرّ جماعة الإخوان المسلمين على أنها حركة وطنية راشدة غير طامحة في الحكم وزاهدة به، لكن الحكومة تتّهمها بمحاولة القفز على قاطرة الحكم وفرض سياسة الأمر الواقع والاستقواء على الدولة ولي ذراعها عبر أدوات عدّة، من بينها نقابة المعلمين.
وينفي محامي النقابة بسام فريحات علاقة الجماعة بالنقابة مؤكّداً أن القضية مطلبية وأنها في طريقها إلى الحلّ، بعيداً من التجاذبات السياسية بين الدولة والإخوان، ومتوقّعاً قرب الإفراج عن المعلمين المعتقلين بعد تحويل قضيتهم إلى المحكمة المختصة.
ويشير قيادي سابق في الجماعة تحدث لـ"اندبندنت عربية" إلى لقاء يتيم في بدايات الربيع العربي، جمع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بقيادات جماعة الإخوان المسلمين. وفي هذا اللقاء الفاصل، وضعت هذه الأخيرة كل ما في جعبتها من مناكفة سياسية للنظام والحكومة في جلسة لم تخلُ من نبرة التحدّي.
رفض الإخوان حينها فرصة تاريخية تمثّلت بمبادرة تعيينهم في لجنة حوار وطني كانت ستفضي إلى إشراكهم في الحكومة، وصدرت تعليقات من قياديين في الجماعة فهم منها أن الإخوان طامحون في الحكم على قاعدة المغالبة لا المشاركة.
طالبوا يومها وهم مزهوون بنشوة ما يحدث في مصر بإصلاح النظام وتقليص صلاحية الملك، وتجاوز الأمر إلى التلويح بالملكية الدستورية، وهو ما دفع العاهل الأردني إلى وصفهم خلال حديثه لمجلة "ذي أتلانتيك" بعبارته الشهيرة "ذئاب في ثياب حملان" عام 2013.
جماعة أو جماعات
بعدها بسنوات، أغلقت عمان التي انحنت لعاصفة الربيع العربي مقرّات الجماعة وانتهت العلاقة التاريخية إلى غير رجعة مع أفول الحركة الإسلامية وانشقاقها وتشظّيها إلى جماعات عدّة بسبب سيطرة التيار المتشدّد فيها والمحسوب على حركة "حماس" في مقابل تيار آخر يدعو إلى "أردنة الجماعة" والانشغال بالهمّ الأردني.
والحاصل أن الملفات الداخلية المتفجّرة في جماعة الإخوان كانت كفيلة بإضعافها وتفتيتها بعدما انفضّ الأردنيون من حولها، كالعلاقة مع حركة "حماس" والتنظيم الداخلي والمناطقية وتراتبية القيادة وثنائية الشباب والشيوخ.
سخّرت الجماعة كل ما لديها من أدوات للتشويش على الحكومات الأردنية المتعاقبة وإضعافها واستهدافها، فحرّكت النقابات المهنية التي تمتلك فيها حضوراً وغالبية كنقابة المهندسين والأطباء والمحامين، وتبارت وسائل إعلامها كصحيفة السبيل وفضائية اليرموك وموقع البوصلة وغيرها في النبش عن عورات الحكومة وأخطائها، واستثمرت رصيدها الجيد في الشارع كأداة ضغط عبر قدرتها على التحشيد والتنظيم.
انقضى عام 2015 وفي ذيوله كثير من التباين في المشهد الإخواني، بخاصة في ما يتعلّق بالموقف مِمّا يحدث في مصر وسوريا.
وفي 2016، كانت الجماعة أمام تحديات ثلاثة، أولها الداخل والقاعدة الجماهيرية الآخذة بالتآكل يوماً بعد آخر وفشل خطابها السياسي في إقناع الأردنيين، وباتت الجماعة غير قادرة على الاستمرار في ظلّ الانشقاقات المتعدّدة التي أفضت إلى تشكيل خمس جماعات، وأخذت العلاقة بين الجماعة والنظام في الأردن طريقها إلى الجفاء والفتور ثم الصدام.
إمبراطورية الإخوان
لطالما كان يُنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن على أنها دولة داخل الدولة، فكانت لديها مدارسها وجامعاتها ومستشفياتها ومراكزها الاجتماعية ومصادر تمويلها وموجودات قُدّرت بمليارات الدولارات، قبل أن تتنبّه الدولة إلى حجم هذه الإمبراطورية وتعمل على تفكيكها وتجفيف منابعها.
وتسيطر الجماعة منذ سنوات على قيادة نقابات مهنية أردنية واتحادات طلابية عدّة، قبل أن تفقد بعضاً من أبرز معاقلها لصالح تيارات سياسية أخرى ومستقلين.
وإلى جانب نقابة المعلمين، كانت الحظوة والكلمة الأولى للإخوان المسلمين في نقابات تاريخية كنقابة المهندسين والأطباء والمحامين والمهندسين الزراعيين، عدا عن اتحادات الطلبة في الجامعات الأردنية الرسمية.
إلّا أنّ أمين حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان) مراد العضايلة لا يزال يرى أن محاولات تغييب الجماعة عن المشهد الأردني لم تفلح بدليل حصولها على 15 مقعداً نيابياً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
لكن الجماعة اليوم خسرت أو فقدت معظم أدواتها، بخاصة بعد إغلاق مقراتها الرئيسة والذراع المالية لها ممثلةً بجمعية المركز الإسلامي، فلجأت على ما يبدو إلى أدوات ضغط إقليمية متمثّلة بعلاقة جيدة مع تركيا وحزب العدالة والتنمية الحاكم.
إضافةً إلى ذلك، لوّح الإخوان مراراً بأدوات ضغط داخلية كاللعب بملفّ تحريك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، فخلال حكومة عبد الله النسور، كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير خلال لقاء وفد إخواني برئيس الحكومة، لم يتورّع فيه مراقب الإخوان المسلمين عن القول إن عمان لا تستطيع رد الآلاف من الشباب الإخواني المتحمّس، وهي إشارة فُهمت على أنها استقواء على الدولة.
اندبندنت