ذكرى الهجرة النبوية : استلهام قيم الصبر وكيفية إدارة الازمات في زمن كورون
عمان 19 آب (بترا) - من إخلاص القاضي وبشرى نيروخ - تمر ذكرى الهجرة النبوية الشريفة في ظل جائحة كورونا العالمية التي أثرت على مختلف المجالات الحياتية والاقتصادية والصحية، لتغرس فينا تلك الذكرى معاني الصبر وتعزيز الإيمان وضرورة العمل والتعاون والتكاتف وكيفية إدارة الازمات واعتماد التخطيط المنظم للخروج منها بقوة وسلام ومنعة، وفقا لما قاله علماء دين لوكالة الانباء الاردنية (بترا).
على أن الذكرى تأتي كما يؤكدوا، لتجدد فينا قيم الثبات عند المحن، واهمية توحيد الصفوف وعدم التهاون في الأخذ بالأسباب، وأنه مهما طالت الأزمة، فإن مصيرها للزوال استنادا ليقين المؤمنين الذين تلهج ألسنتهم بالدعاء لتجاوز مرحلة المرض الى بر الأمان وفقا لخارطة طريق مدروسة ومحكمة.
يقول الاستاذ المشارك في كلية الملك عبدالله الثاني لتكنولوجيا المعلومات في الجامعة الأردنية الدكتور محمد عبد الرحمن أبو شريعة أن المسلمين يودعون عام 1441 الهجري بحلوه ومرِّه، ويستقبلون عاما جديدا بروح التفاؤل والنظر لغدٍ أكثر إشراقاً مما مضى، محتفلين بذكرى هجرة سيد البشرية وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
ويضيف: لم تلد البشرية بجمال أخلاقه وعظيم أفعاله وحسن صفاته، كيف لا وهو الذي كان خلقه القرآن الكريم، ونقل البشرية من الظلمات إلى النور، وأسس لهذا الدين مع أصحابه رضوان الله عليهم فكانوا رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وكان الإسلام بحسن نواياهم وإخلاصهم في العمل وصدقهم وأمانتهم وصبرهم على الأذى وتضحياتهم في سبيل نشر رسالة الإسلام رسالة السلام والمحبة والتسامح والاعتدال، والتي أنتجت خير أمةٍ أخرجت للناس، فالخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم متأصلٌ وباقٍ بمشيئة الله إلى أن يرث الله عزّ وجلّ الأرض ومن عليها. ويبين أن علينا التعلم من درس الهجرة لأن مقاصدها لم تكن محصورة بزمان أو مكان، والأصل في ذلك النظر إلى ما وراء الحدث لكي ننتفع منها في حياتنا اليومية ومسيرتنا الحضارية، حتى يعود على الأفراد والمجتمعات بالنفع، كما أنه من الواجب أن نتعمق في فهم هذه الحادثة الخالدة من جميع جوانبها حتى نتمكن من تعليمها لأهلنا وأولادنا وطلابنا وللجميع.
وفي ربط بين معاني الهجرة النبوية الشريفة وما يعيشه العالم اليوم في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، يشير أبو شريعة إلى أننا نستلهم معاني الصبر على الشدائد، فصبرنا على هذا الفيروس وأعراضه وتبعاته والتزامنا بالأوامر والتعليمات الصادرة عن الجهات المعنية، فإننا بإذن الله سننتصر على هذا الوباء. ويقول استاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك في قسم الدراسات الاسلامية في جامعة الحسين بن طلال الدكتور فرج الزبيدي: إن الهجرة النبويّة الشريفة تعد أهم حدث في الإسلام بعد البعثة، لأنّها نقلت المسلمين من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوَّة، فعندما نستذكر الهجرة النبويَّة، نستحضر معها بناء الدولة الإسلاميَّة الأولى في المدينة المنورة؛ لذا كان من فقه الصحابة رضي الله عنهم أن جعلوا تأريخ الإسلام يبدأ من الهجرة النبوية.
ويضيف أن من أهم الدروس المستفادة من هذه الذكرى لواقعنا الحالي، أن كل عملٍ يُراد له التوفيق والنجاح يجب أن يُسبق بالتخطيط المُنظَّم، ولا بدَّ من فهم التوكل كما يجب، وهو الأخذ بالأسباب الماديَّة المتاحة، ثمَّ التوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، منوها الى أن الإسلام ليس ديناً محصوراً بأداء الشعائر والمناسك، إنَّما هو دينٌ يشتمل على العقيدة والشريعة والإيمان والعمل.
وحول حكم الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية الشريفة، يقول: بأنه جائز، شريطة أن يكون على هيئة التذكير بالدروس والعبر المُستفادة من الهجرة، وأن يكون خالياً من البدع التي لم يصح لها دليل في القرآن الكريم أو السُنَّة النبوية.
ويقول الاستاذ في كلية الشريعة في الجامعة الاردنية الدكتور محمد أحمد الخطيب إن الهجرة من أهم احداث التاريخ، فهي التي بدلت الظلام بنور الإيمان، وجاءت بالعدالة وبالرحمة، ورسخت قيم الأمل والرجاء بعيد كل محنة، مضيفا: ترك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم موطنه معرضاً نفسه للمخاطر في سبيل الله، طالما أن المحن والشدائد ستزول بعد هذا الصبر الطويل على الظلم والعدوان. ويتابع وهو العميد السابق لكلية الشريعة في الجامعة الاردنية: في هذا العام الذي ضج بالمحن والآلام والأمراض تأتي الذكرى لنجدد تعلمنا صبره على الشدائد والمحن التي تحملها في سبيل الدعوة إلى الله، فكانت النتيجة ظهور الفجر المنبثق في سماء المدينة المنورة ليبدأ بعدها الانتصار تلو الانتصار. ويمضي الدكتور الخطيب إلى أن هذه الذكرى العطرة تعطينا الدروس والعبر في ظل المحن والآلام التي نعيشها جراء جائحة كورونا التي المت بالعالم كله، مشيرا الى ان الانتصار لا يتحقق إلا بالصبر والثبات والإعداد والأخذ بالأسباب المؤدية للنجاة.
أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور بسام العموش، يقول إن الذكرى النبوية تمر هذا العام في ظل ظروف الوباء الصعبة، مبينا أنها تعطينا درسا عظيما، فخير خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يجبره الظالمون على مغادرة مسقط رأسه، فيهاجر ويصبر ويعاني من السفر في صحراء قاحلة وأرض مكشوفة وعدوه يطارده، لكن يقينه بالله لم ينقطع.
ويضيف: ما دام النبي قدوتنا، نقول العالم: إن رحمة الله قريبة من المحسنين ، فلن نيأس وسنصبر لأننا على يقين بأن العاقبة للمتقين، وسننتصر على "كورونا"، وعلينا الأخذ بالأسباب.
ويشير أستاذ الشريعة في جامعة آل البيت الدكتور علي العجين، إلى أن الهجرة بكل تفاصيلها تعلمنا إدارة الأزمات والتخطيط والبحث عن الحلول، ومعاني التضحية والحب الصادق وهي منبع للصبر لا ينضب، ذلك أن الهجرة تعني التعاون والتكاتف والبناء والتنمية.
ويبين أن مضامين الهجرة تتلخص في المؤاخاة الحقيقية التي زينت وجه التاريخ، والتوكل على الله تعالى واللجوء إليه بالدعاء والتضرع واستشعار معيته، ففي مشهد الحب والخوف تظهر ملامح أبي بكر الصديق، "قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا"، مؤكدا أننا نستحضر في هذه الذكرى قيم العمل والتضحية، والعطاء والبناء للتصدي لتداعيات ازمة كورونا.