الأسير المحرر والمبعد "نزار التميمي" يوجه رسالة مؤثرة : احب الأردن بقدر حبي وانتمائي لفلسطين ...
عن صفحة نزار التميمي
الى كل الأهل والأصدقاء والأحباب أقول :
مكمن فخري أنّي فلسطيني ، فهذه الفلسطين الباسقة هي تاج عزي وإعتزازي ، ليس فقط لأنها وطني ، بل لأنها جزء من عروبتي ، بكل مافي العروبة من معناً في قلبي ، وعروبتي هي وعاء ديني ، الذي إرتضاه ربّي لنبيي محمد، صل الله عليه وسلم ،خاتماً لرسالاته السماوية .
لهذا فأنا ولدت حراً بفطرتي ، وقاومت حراً بإرادتي ، واعتقلت ، لأظل في زمن القيد و السجن حراً ، وحررت ونفيت ، وسأفضي لربي ذات وقت ، وانا إبن حريتي وسيد نفسي ووقتي ..
لهذا ما حصل معي مؤخراً ، يأتي في سياق قدر الأحرار على هذه الأرض ، الذين ينصهرون بكليتهم في قضايا الحياة الكبرى ، ولا أكبر من قضية فلسطين عبر عصور التاريخ والأزمنة ..
فلسطين قضية الارض والانسان اللذان جمعتهما جدليه العلاقة ، فالانسان أكرم خلق الله ، وحين يضحي من أجل أرضه ، فإنه يمنحها قداسته السماوية ، فتصير به الأقدس والأرفع قيمه .
والإنسان حينما يتحول بوعي إلى مادة ثورية ، فإنه يتجاوز أقرانه من العاديين بقيمه النضالية ، ليصبح بذلك مشروع عطاء دائم ، لا تستقيم حياته الا بهذا العطاء .
والعطاء يحتاج الى وفاء ، ومن غير هذا الوفاء لا تستوي بنية المناضل ولاتنضج مادته الثورية ..
من هنا ، فما حصل معي مؤخراً، او حتى عبر مسيرتي الحياتية ، قام على عامل الوفاء هذا، الذي شكل معدني في آتون مراحل العمر التي عبرتها ..
فعندما حررت من السجن بعد قرابة العشرين عام ، وعدت الي بيتي وأهلي ، وحررت أحلام الى الأردن ، إتخذت أصعب قرار في حياتي ، وهو القبول بالإبعاد ، ليس تنكراً لارضي وأهلي الذين احبهم أكثر من نفسي ، إنما وفاء لإنسانة ، كان ومازال معناها عندي أبلغ من كونها زوجة وحبيبة ، بل هي وطن وقضية ، فكانت هذه المرأة الوطن مقدمة عندي في كل شيء على الزوجة ، وأولويتها بهذا المعنى تفوق اولويات أخرى .
لذلك عندما رحبت بي الجهات الرسمية في المملكة ، وأبدت موافقتها بالإقامة على أرضها ، ادركت منذ اللحظة الاولى دوري وواجباتي تجاه كرم الضيافه الذي حظيت به ؛ فالأردن في ثقافتي كفلسطين ، أستشعر بوعي كبير مسؤولياتي نحوه ، لهذا مارست انتمائي لأرضه المباركة ، ومازلت ، كإنتمائي لوطني فلسطين ،
بمسؤولية كبيرة وحس عالٍ ، ومن جهة اخرى ،وقفت أمام واجباتي تجاه أحلام بمعناها الوطني والنضالي عندي اولاً ، وبحكم رابط الزوجية الذي يجمعنا ثانياً ، فجمعت بمسؤولية بين هذين الواجبين ، واجب الوطن المضياف ،(الاردن)، وواجب المرأة الوطن (احلام).
ولم يسجل علي طوال السنوات الثمانية التي أقمتها في الاردن ، الحبيب أي موقف سلبي ، هذا بشاهدة أصحاب القرار أنفسهم ، الذي كان يشكل وجودي لهم صمام أمان في قضية احلام .بالرغم انه لم يوافق لي خلال هذه السنوات الحصول حتى على جواز مؤقت ، وظلت اقامتي خاضعة لاعتبارات امنية تجدد سنوياً على ما يعرف بكرت الجسور الاخضر .
لكن مع الطلب الامريكي بتسليم أحلام ، فرضت معادلة جديدة ، فبالرغم من ان هذا الطلب معلوم من يقف خلفه ، حيث جاء على خلفية العمل المقاوم المشرِّف الذي قامت به أحلام ، وإعتقلت على إثره ، وقضت من عمرها عشرة أعوام ونصف في سجون الاحتلال الصهيوني ، وأفرج عنها في اطار صفقة تبادل برعاية دولية ، جَبّت وأسقطت عنها التهمة التي إعتقلت على إثرها ، الا اننا بدأنا نعيش تحت ظلال معادلة ثقيله ، اذ أصبح هذا الموقف الامريكي الصهيوني ،وكأننا نحن المسؤولين عنه ، وكلما كان يصدر اي شيء يتعلق بقضية أحلام من قبل الامريكان ، ويتفاعل معه الرأي العام بشكل واسع ، كون أحلام في وعي هذا الرأي وهذه الجماهير عبارة عن مقاتلة حرية ، ومناضلة وطنية ، ومواطنة أردنية يلتف حولها كل أبناء الوطن وأحرار العالم ،الا إن ذلك كان يضعنا موضع الإتهام والمساءلة للاسف الشديد ، وتم تحميلي قبل ثلاثة شهور المسؤولية الكاملة عن ذلك ، في موقف كان غريب ومستهجن بالنسبة لي ، حتى بلغت بشكل رسمي بتاريخ ٩/٢٢ بعدم رغبتهم ببقائي على أرض المملكة ، من غير إبداء الأسباب والدوافع ،وطالبوني بالخروج على وجه السرعة . لهذا لم يكن امامي خيار سوى تنفيذ هذا القرار مجبراً ، فهم أسياد المكان ، وأصحاب القرار ، وما أنا بتاريخي ونضالي ، والتزامي وانتمائي ، وارتباطي بمواطنة اردنية ، سوى مجرد أجنبي في نظرهم ، فهذا أحبتي وأهلي وأصدقائي ، قدر الفلسطيني في هذا الزمن العربي الغريب أن يعيش مكرهاً على الانتقال من شتاتٍ الى شتات .
وبعد مهلةأعطيت لي ، لا تتعدى أيامها أصابع اليد ، على إثر تدخلات حثيثة من أجل ترتيب بعض شؤوني الحياتية ، خرجت مرغماً يوم الخميس الموافق ٢٠٢٠/١٠/١.
انا ، أيها الاحبة ، رغم مابي في هذا الوقت من وجع انساني ، الا انني بخير ، لأن روحي بخير ، سأواصل واحلامي نضالنا المشترك لإنجاز حقنا المشروع بالاجتماع مجدداً .
أنا سأناضل من منفاي الجديد ، وهي ستناضل من على أرض وطنها الأردني الحبيب ، فالبقاء هناك سيجعلها في مأمن ولو نسبي ، وتواجدها هناك بين أبناء شعبها هو نوع من الحصانة والضمانة التي ستجنبها الأذى والمساس ، لهذا فهي باقية وإن اتعب قلوبنا هذا الفراق واحتراقنا إستياقاً نتاجه ، ولن تخرج حتى لو لم يقدر الله لنا لقاء فيما تبقى من حياة .
والله خير حافظا
والله غالب على أمره .
محبكم : نزار التميمي