البُعبُع الحقيقي .. فايروس كورونا أم قرار الحكومة ..؟؟


   إن أول ما يتبادر في أذهاننا، عندما نسمع كلمة ( بُعبُع)، هو شيء مرعب ومخيف، سيسبب لنا الأذى المعنوي أو الجسدي، شيء وحشي سيجعلنا نعيش في خوف وقلق شديدين، ويفقدنا السيطرة على التفكير، ونبدأ بالعيش في عالم الخيال والتهيؤات التي لا يمكن وصفها، بما تحتويه من تخيلات وصور غريبة، والبعبع أيضا هي وسيلة نلجأ لاستخدمها كثيراً لخلق هذا الرعب والخوف لدى أطفالنا، عندما يسببون لنا الفوضى والإزعاج، فيسكتون ويذهبون إلى فراشهم للنوم.
   جاء فايروس كورونا هذا البعبع غير المرئي بالعين المجردة، صغير الحجم مرعب، مخيف، هَزَّ أركان الكرة الأرضية، وأرعب البشرية جمعاء، حصد أرواح مئات الألوف منهم، أغلق الحدود بين الدول، بل وبين المدن والقرى داخل الدولة الواحدة، حرم الأهل من زيارة بعضهم البعض، وبالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية للعالم بأكمله، وما خَلَّفَهُ من آثار نفسية ومعنوية على الأطفال وكبار السن وغيرهم، الذين يعيشون في عالم الخيال المخيف.
   وبسبب هذا البعبع القاتل، لجأت الحكومات في دول العالم، لاتخاذ كافة الوسائل والأدوات والاحتياطات والتدابير، لحماية شعوبها من أخطاره الكبيرة، فعملت على إغلاق الحدود بكافة أنواعها، ومنع السفر، وأهم أهدافها من كل ذلك هو حماية صحتهم وأرواحهم.
   هذا أمر رائع وعظيم جداً من حيث المبدأ، وشهد له المواطن الأردني والعالم كله، حيث أننا في الأردن وجدنا اهتماما كبيراً، وأصدرت أوامر الدفاع العديدة وفرضت أمر ارتداء الكمامة، ومخالفة كل شخص لا يلتزم بها، ورأينا الجهود العظيمة التي تم بذلها من الحكومة الآردنية، وبتوجيهات سامية من جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه، ولجأت لفرض أنواع مختلفة من الحظر، منها الجزئي ومنها الشامل، ليوم أو لعدة أيام وحسب الضرورة.
   واليوم نحن نخضع لحظر شامل، بعد العرس الديمقراطي، عرس الوطن، انتخابات مجلس النواب التاسع عشر، التي أُجريت قبل يومين، بدعوة عامة للشعب الأردني ليمارسوا حقهم الدستوري، في انتخاب ممثليهم في مجلس النواب، وأتى قرار الحظر لمدة أربعة أيام من الحكومة، للحفاظ على صحة المواطنين خشية عليهم من الاختلاط وعدم الالتزام بالتباعد الجسدي، الذي سيؤدي بالتآكيد للزيادة في عدد الإصابات بوباء كورونا. ولكن ما الذي حدث ويحدث في الحقيقة وعلى أرض الواقع.
   قرار الحكومة بفرض الحظر الشامل هذا، هو ( بًعبُع ) مخيف من نوع آخر، تسبب في خلق العديد من المشكلات لدى المواطنين، أهمها تَمَثَّلَ في التزاحم بينهم عند شراء حاجياتهم ومستلزماتهم، من خبز ومواد تموينية وغذائية، ولاحظنا كلنا هذا التزاحم وعدم الإلتزام بالشروط الصحية والوقائية، الذي بالتآكيد سيؤدي ذلك إلى ازدياد عدد الإصابات بوباء كورونا، ومن المشكلات الأخرى التي سببها هذا القرار، هو الارتفاع الكبير في الأسعار نتيجة للتهافت على شراء الخضار وغيرها.
   ولكن هل أرعب هذا ( البُعبُع )، أي قرار الحكومة، ذوي المرشحين الذين فازوا في انتخابات مجلس النواب، وهل ساعد وساهم في منعهم من الاحتفال بفوز أقاربهم، بالتأكيد لم يكن له أي تأثير عليهم، على افتراض بأنهم سيخلدون للنوم مثل أطفالنا، عندما نخبرهم بوجود بُعبُع سيخيفهم، ما نراه هو احتفالات في ساحات وصواوين مليئة بالزينة والإضاءة المجهزة مسبقاً، من قبل المُرشحين آنفسهم ، مُبيتين النية للاحتفال وغير مكترثين ( بالبعبع ) القرار الحكومي، ورأيناهم محمولين على أكتاف المحتفلون بهم، وسط مظاهر مقلقة جداً، بإطلاق العيارانظت النارية وبكثافة عالية، باستخدام أنواع متطورة من الأسلحة والذخائر، وخرجوهم إلى الشوارع بسيارات مختلفة الأنواع بمواكب كبيرة، دون أي اعتبار لقرارات الحكومة بعدم إطلاق النار في المناسبات والأفراح، نظراً لما تُشكله من  خطر كبير وخسائر في الأرواح.
   كان من المفروض أن تتم مراقبة أماكن سكن المرشحين مسبقاً، للتأكد من عدم قيامهم بالتحضير للاحتفال، أو توقيعهم على تعهدات تضمن منعهم من ذلك، في ظرف صحي خطير يعاني منه الناس، وفي حظر شامل فرضته الحكومة على المواطنين، الذي وبكل أسف، لم يحترمه بعض الذين سيجلسون تحت قبة البرلمان، ووظيفتهم التشريع ومراقبة أداء الحكومة، ومدى تطبيقها للقوانين التي سيشرعونها هم أنفسهم، وكان من المفروض على الحكومة أيضاً، أن تفرض حظراً من نوع آخر تم استخدامه سابقاً، بأن تسمح للناس بالتسوق سيراً على الأقدام، وأن لا تستخدم (بُعبُعها) على مناطق وفئات معينة.
   فمَن هو البُعبُع الحقيقي.

عاهد حسين الصفدي
عمان / الأردن.
Email: ahedpsut@gmail.com