مقال بحجم "وطن" لـ عبدالهادي راجي المجالي .. (إلى كل شاب أطلق النار امس) ..

إلى كل شاب أطلق النار امس . 
في حياتي ما أحببت وطنا بحجم ما أحببت بلدي , وما عشقت شعبا بحجم ما عشقت أهلي الأنقى من المطر والأعز الأغلى ...
الأردنيون هم جمر الأمة وكرامتها .
لكني مجبر أن أتحدث إلى الشباب الذين أطلقوا النار أمس , احتفالا بفوز مرشحيهم وأبناء عشائرهم , اغلبهم كانوا صغارا لم يصلوا العشرين من العمر والحب بعد ..
هل تذكرون عمر أبو ليلى ( رامبو فلسطين) , كان صغيرا مثلكم ...أكل من ذات الأرض التي تأكلون منها ..(غمس الزعتر) بذات الزيت الذي غمستم به , عمر أبوليلى لم يظهر في عرس انتخابي ..ولا في حفلة سمر , كان في السابعة عشر من عمره لكنه الفلسطيني الخضيب دما النجيب الشهيد الحر البطل ...هل تعرفون ماذا فعل ؟ مثلكم تماما سدد الرصاص ..لكنه لم يسدده في الهواء لأجل مقعد انتخابي فان ..أو حياة تشريعية تنتج لنا الخيبات , عمر سدد رصاصاته اتجاه الجيش الإسرائيلي , وأردى ثلاثة منهم ...هو من اختطف البندقية الأوتوماتيكية وتوارى عن الأنظار , كان يعرف مصيره المحتوم , لكنه أمام الله وفلسطين أدى واجبه كاملا , عمر أبو ليلى كان أكبر من الجنرالات العرب , كان أقوى من جيوش وأسلحة طيران , كان طفلا ولكن أضخم من مجرة .
أيهما أكبر رصيد عمر أبوليلى في سجل الشرف الفلسطيني  , أم رصيد صناديق الإنتخابات العربية من الأصوات والمصداقية والشرف الوطني والقومي  ؟ ...عمر أبو ليلى لم يفز عن الدائرة الثالثة , ولا عن الخامسة , لكنه فاز عن أمة كاملة , خجلت وانحت , ولو كان فيها بعد  بعض من ألق الماضي واحترام الذات ,  لأنتجت منهاجا لأجيالها يدرس في الصفوف الإبتدائية إسمه عمر أبو ليلى .
عمر ابو ليلى لم يكن له قائمة , اسمها فلسطين ...كان له وطن إسمه فلسطين وحين صعد إلى عليين جلس مع أحمد ياسين وعبدالقادر الحسيني , صحيح أنه مازال طفلا ..لكنه أسس منهج العملقة الفلسطيني بكل اقتدار ..
ماذا ينقصنا حتى يكون شبابنا مثل عمر ..الأرحام هنا وهنالك واحدة , والأرض واحدة والدم الذي يضخ من البطين الأيمن في الخليل يصب في وريد الكرك ؟..ماذا ينقصنا حتى ننتج مثلك يا عمر ؟...ولماذا احترفت طريق العظماء , في حين أن جيلا من شبابنا ..احترف طريق الإنتخابات ...أنت تعرف يا أعلى شوامخ الأردن وفلسطين ..أنك الصورة التي يتمنى بها كل أب في الطفيلة والكرك وجنين وبيت لحم وإربد والمفرق ..أن يكون أولاده مثلك في البأس والرجولة والوطنية ...
أعذرنا يا حبيبي ..أعذرنا قليلا , خبأنا هذا الرصاص لفلسطين ..,كان لنا قضية واحدة هي فلسطين ..وكان لنا درب واحد للرصاص فقط هو درب فلسطين , كنا نعد هذه الدماء وهذي العقول لتعرف أن اليأس ليس في قاموسنا , وأن جيلا سيخرج من بطن الصحراء والقرى والمخيمات ويحترف دربك ...كنت أظن يا حبيبي وما في الأمة من كبرياء , أنك محفور في قلوب شبابنا ...كنت أظن أن صناديق الزيت في  الجليل تغويهم أكثر من صناديق الإنتخابات ... وكنت أظن وأظن اظن ..
أيها الشباب في المفرق والكرك وعجلون وإربد والمخيم , في معان والطفيلة والشوبك ..في عجلون والرمثا وكل محافظات بلدي ...إن الطلقة التي تسدد لغير حماية الأردن وتحرير فلسطين ..صدقوني أنها طلقة خائبة , إياكم أن تضعوا أيديكم على الزناد لأجل رقم وصندوق ..ومجلس برلماني كان عابرا وسيبقى عابرا في الذاكرة والتاريخ ...تعلموا فن الوطن والحب والإنتماء من عمر أبو ليلى ...وتعلموا أن تخبئوا رصاصكم , فمعركتنا مع إسرائيل لم ولن تنته ...
رحمك الله يا عمر تذكرتك البارحة وبكيت يا سيدي , وأبي وإمامي , ومؤسس منهج العشق والنضال ..يافتى فلسطين ..تذكرتك , وها أنا من واجبي الوطني والقومي والديني سمحت لنفسي أن أذكر شبابنا بك ..فهل تسمح لي يا سيدي ..يا ابن أغلى وطن وأكبر وطن وأعظم وطن ..يا ابن فلسطين .
عبدالهادي راجي المجالي