وداعآ أحبتي .. (الذنيبات، الجعافرة، ثامر، المومني، المشارفة، البلعاوي، الفياض، ابوشرف، الشيشاني) .. أنتم السابقون ونحن اللاحقون

مرت الايام القليلة الماضية عصيبة على نفسي وشديدة الوقع على قلبي ولم أدرك عظمة حجمها الا بعدما فرغت من انشغالي في الإنتخابات ولم تكن احساسي مجتمعة كما أشعر بها الن ولا دموع عيني ممتلئة حتى اذرفها حزنا والمآ على ما فقدت لمن هم تحت التراب اخاطبهم واستميحهم عذرا لعدم حزني سابقا وقلة بكائي لاحقا ولكنني اعترف لهم الان وبعد ان جلست وحيدآ في غرفتي انكم تمثلون أمامي واحدآ واحدا وكلماتكم تخترق جدار الصوت وعتمة الليل مع أول الشتاء وبداية الزمهرير فما أشد البرد الذي يدخل الي من كل جانب في هذه الليلة المظلمة والموحشة ولا يوجد بها سوى أصواتكم وانوار وجوهكم الطاهرة وارواحكم الصاعدة إلى السماء.

فهذا زياد الذنيبات ابو يحي الذي قابلته عند آخر لقاء بيننا في منزل الكبير ابو احمد المجالي واتذكر كيف عانقته وعانقني بلغة عتاب الأخوة على هفوة جعلته يغضب غضب المحب الطيب القلب الحنون الفؤاد وكانت عيونه تقول لي روح يا حسن "مسامحك" وسأتجاوز عن هفوتك ليس لشيء فقط لاني لن أراك في بؤبؤتي عيني مرة أخرى ولن اعانقك بصدري ثانية ولن اتصل بك فرقمي مفصول  ولن اداعبك واناغشك بعد الآن فقد اخترت عالما اخر ورفقة غير رفقتكم وجيرانا غير جيراني واهلا غير اهلي، نعم .. الفرح والمرح لا يجتمع مع الحزن والدموع والفراق، ابو يحيى .. آه ما أجملك وما أجمل نبضات قلبك وصوتك وانفاسك التي ما زلت اتلمسها بكامل حواسي السبعة واشتم رائحة عطر جسدك المسجى على البلاط البارد رغم حرارة الصيف وانت تسبل جفونك فوق عيونك لتقول لنا جميعا وداعا أحبتي وفعلا نحن احبتك لان قلبك كان لا يعرف سوى الحب والعشق والود والوفاء والصبر. 

ابو يحي وانا ارثيك الان وارثي معك احبة خطفهم الموت والمرض اللعين ومنهم اخي وصديقي وزميلي الوفي (رزق الجعافرة) الذي فقدناه وفقدنا معه الوفاء والروح المعنوية والصدق وايضا غادرنا المناضل الكبير (موسى ثامر ابو صلاح) ذلك الفدائي الذي وهب سنين عمره بين الجبال محاربا ومقاتلا وطالبا للشهادة الا ان الاقدار جائت بوفاته بعد اصابته بفيروس العصر وكان قبله يخطف الشاب (وعد المومني) شقيق الغوالي ماهر وعماد المومني كما أن حدود هذا لم تقف عند حد بل وصلت الى اخي وحبيبي (بدر المشارفة) الذي اصطاده المرض وقضى على أنفاسه الطاهرة وهو راكعا ساجدا متوجها إلى ربه طالبا رضاه فرضي عنه وحقق له امنياته بالموت على سجادة الصلاة التي التفت على جسده النقي بكل رفق وحنان ونعومة كيف لا وهو من كان يقبلها خمس مرات في اليوم وكان يقف عليها بدرآ متوضئا خاشعا ناسكا زاهدا متعبدا ومتوجها إلى ربه في الصباح والمساء وآخر الليل.

وعن استاذي (غالب بلعاوي) ارجوك اقبل اعتذاري الوقح وتبريراتي المرفوضة وعقوقي الناقصة فأنا لم اوفيك حقك لا في البكاء ولا في الحزن ولا في النحيب ولكنني صحوت الان من غفوتي وصدمتي وجبروتي الذي انهار عند أول حروف اسمك ولا زلت اذكر ملامح وجهك الأبيض النقي ونبرات صوتك الدافي الوفي لاقول لك يا من كنت له عبدا بعد الله بأن تسامح تلميذك كما كنت تفعل دائما ودومآ ودعني اخبرك أيضا بأن معلمي ومعلمك (د. مصطفى الفياض) لم يستطع البقاء طويلآ بعدك فهو الان في طرفك وبقربك وان ابتعدت القبور والاكفان فالارواح تتلاقى وتتعانق وتتزاور فرفقا بالغالي وحبيبك وحبيبي (ابو عبدالله) الشريف العفيف الطاهر النزيه .

وعن العم وعم زوجتي الراحل (ابو يوسف ابراهيم ابو شرف) ماذا سأقول لك فانا لغاية اللحظة لا اجرؤ على زيارة المخيم ولا أستطيع أن أرى البيت العتيق دون وجودك فيه ولم أتمكن من إزاحة وجهي نحو باب الحديد فكيف لي أن تقبل نفسي مشاهدة بابك الجميل ومقلى فلافلك وشبك الزيت وهو يتحرك بيد غيرك واهالي شنلر يستطيعوا تذوق رائحة الطيب الا من تحت يديك عذرا يالحبيب فدموعي ستسقط ليس حزنا ولوعة بل ستكون ممزوجة بألم وحسرة مع ابتسامتك وضحكاتك التي ما زالت تملأ المكان وروحك ترفرف علي شبابيك منازلنا ومع حبات المطر وخيوط الشمس التي نراك فيها ومن خلالها في كل ليلة ومع طالع واشراقة الشمس.

وعاد الموت الحق بالأمس ليخطف اخا وصديقا للجميع وهو المربي الذي عرفته عن قرب منذ سنوات طويله وهو  (محمد تيمور الشيشاني ابو مصعب) الذي شائت الاقدار ان يتوفاه الله وهو سعبدا ضاحكا مبتهجا بفوز ابن عمه النائب ميرزا بولاد الا ان القدر ابى الا وينزع الفرح وينهي الابتسامة ويقتل الامل فكان الوداع الاخير.

وفي الختام الذي لا نعرف فيه متى ستكون خاتمتنا وبأي أرض ستحين منيتنا ولكن وإلى ذلك الحين واذا كان في العمر من بقية ندعو الله أن يميتنا على دينه وهدي رسوله ورحم الله امواتنا واموات المسلمين وكل نفس ذائقة الموت
وانا لله وانا اليه راجعون