الكلالدة يكتب: الرحلة للوظيفة القيادية

د. مراد الكلالدة
تعمدت أن أتاخر بالكتابة عن تجربتي للوصول الى كرسي الوظائف العليا التي تم الإعلان عنها في شهر آذار 3/2019 أي قبل ستة أشهر لمنصب مدير عام المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري، والغرض من ذلك ليس الإعتراض لا سمح الله، بل محاولة إضافية لتطوير التشريعات وتحسين الإجراءات لإيصال خيرة الخيرة الى المواقع القيادية بعدالة.
الإعلان جاء من قبل رئاسة الوزراء إستناداً الى النظام ساري المفعول في حينه رقم (3) لسنة 2013 والذي حل محله النظام الحالي رقم (78) لسنة 2019 بتاريخ 22/4/ 2019 أي بعد الإعلان عن الوظيفة المذكورة، مما حرر الرئاسة من قيود الإلتزام بالمدد المحددة بالنظام الجديد، وأخذت العملية ستة أشهر عمل خلالها مدير عام بالوكالة على تصريف أعمال المؤسسة بصلاحيات منقوصة، فالحكومة ليست مستعجلة والإسكان ليس على سلم أولوياتها على ما يبدو.
لقد أحسن ديوان الخدمة المدنية بالدخول على الخط لإنقاذ إجراءات رئاسة الوزراء التي أضاعت طلبي وتقدمت بشكوى من خلال منصة بخدمتكم كودها المرجعي 19030116 حيث ظهر الطلب بقدرة قادر وتم تقييم السيرة الذاتية من أصل عشرة علامات مما اهلني للتقدم للمرحلة التالية، حيث دعيت بعد أشهر في يوم سبت مع مجموعة من (36) شخصا للتقدم لإمتحان القدرات المحوسب في مبنى ديوان الخدمة والذي خصص له عشرين علامة.
إمتحان القدرات كان صعب، وقد ركز علىتقييم قدرات المرشح الإدارية من خلال مجموعة من الأسئلة تركز على عرض حالات إفتراضية يطلب من المُمتَحن تقدير الموقف والتأشير على القرار الذي كان سيتخذه فيما لو كان مسئولاً. ونقترح على ديوان الخدمة المدنية التنويع في الأسئلة فالمقصود بالقدرات تلك التي تنطبق مع بطاقة الوصف الوظيفي، وهي وظيفة فنية متخصصة بالتخطيط المكاني والحضري، ولا يجوز أن يشغلها شخص مؤهل أكاديماً لتسليح حديد المباني أو فني مختبر.
النقطة (2) من البند (ز) من المادة السابعة من نظام التعيين على الوظائف القيادية تنص على أن ترشح لجنة الفرز للمقابلات الشخصية ما لا يزيد على (20) شخصاً من المتقدمين الذي حصلوا على أعلى 50% فأكثر من مجموع العلامة المخصصة لتقييم كل من السيرة الذاتية والقدرات. وقد تم بالفعل الإتصال بي الساعة التاسعة من مساء الجمعة للتواجد يوم الثلاثاء الموافق 20 آب في مبنى رئاسة الوزراء الساعة الواحدة والنصف.
لقد تضمن كشف المدعويين (22) إسما، أحداهن لم يتم طلبها للمقابلة على الرغم من وجود إسمها بالكشف، وتم جمعنا بقاعة، وتم تفويج المرشحين لمقابلة اللجنة الوزارية فرداً فرداً بفارق عشرة دقائق لكل مرشح، وبحسبة بسيطة، كان على اللجنة قضاء أربع ساعات، فما الذي حدث معي في الدقائق العشر المخصصة لمقابلتي.
دخلت على اللجنة الموقرة والتي يرأسها نائب رئيس الوزراء د. رجائي المعشر وإلى يمينه كل من المهندس فلاح العموش وزير الإشغال العامة والإسكان، وهو المرجع المختص حسب تعريف النظام كونه يرأس مجلس إدارة المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري، وهو من ينسق مع أمين عام رئاسة الوزراء وديوان الخدمة المدنية لتعبئة الشاغر، وبجانبه معالي وزير النقل ورئيس ديوان الخدمة المدنية، وفي الجهة المقابلة معالي وزير الإدارة المحلية وبجانبه معالي وزير العدل، وعضو آخر غاب عن ذاكرتي.
اتفهم الضغوطات التي ترزخ تحتها مثل هذه اللجان وعشرات ومئات إتصالات التوصية التي يتلقوها، فقد كانوا متعبين ابتدأوا بعد ظهر يوم عمل حافل، وتناوبوا على مرشحين على درجة عالية من الخبرة جلهم من مؤسسات مهمة من الأمانة والبلديات والمؤسسة نفسها وقلة من القطاع الخاص، ومطلوب منهم إغلاق الملف العالق منذ شهور، فماذا سأل أصحاب المعالي.
سُئلت عن معايير التخطيط الحضري من قبل مهندس مدني، ولا أظن الإجابة مكتوبه لديه لأني وأنا مستشار التخطيط الحضري احتاج الى عشر دقائق لذكرها، فهل قرأت اللجنة الموقرة السيرة الذاتية للمرشح حتى تسأل مستشارا مثل هذا السؤال.
السؤال الثاني كان من لدن معالي وزير النقل الذي تلاه مقروءاً، عن الأداء المؤسسي ومعايير التميز، وقد أخبرت السائل بأن المسؤول هو خبير مجال لتقييم الأداء لدى بلدية دبي وغيرها ويعرف تفاصيل هذه المهمة من تحديد نطاق المؤشر وتعريفه والغاية من قياسه والمؤشرات الفرعية وآليات القياس والمعادلات الحسابية والمستهدفات والمقارنات المعيارية...الخ، فكيف لمن أعد الأسئلة أن يشغل وقت اللجنة بهذه الأسئلة المتخصصة ولطالما أن الغرض من المقابلة هو التعرف على شخصية المرشح، هل هو متزن، وهي يجيد الحديث بالعربية والإنجليزية، وهل هو صاحب كاريزما وسرعة بديهة. أما الأسئلة المتخصصة فمكانها في المراحل السابقة في تقييم السيرة الذاتية وإمتحان القدرات الإدارية والفنية، أليس كذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة إعادة توزيع العلامات الى أربعة أرباع، 25% للسيرة الذاتية بدلاً من 10% و 25% لإمتحان القدرات الإدارية والفنية و 25% للدرجة الأكاديمية (دكتوراة، ماجستير، بكالوريوس، توجيهي) و 25% للمقابلة الشخصية.
وكنت اتسلل من خلال الأسئلة لأعرض وجهة نظري حول مشاكل التخطيط الحضري بالأردن وكيف للمؤسسة أن تعيد التوازن السكاني بربط مكان السكن بأماكن الإنتاج، وعندها طلب مني معالي المهندس وليد المصري أن أعطيه حلاً (في أقل من دقيقة) لمشكله التمركز السكاني في ثلاث مدن بالمملكة، وكان جوابي بأن إنشاء وزارة الإدارة المحلية هو خطوة بالإتجاه الصحيح شريطة إقرار تشريع بديل عن قانون اللامركزية يضمن تمكين مجالس المحافظات بالتعاون مع البلديات في إطار ما يعرف بهولندا بإتحاد البلديات، حيث أعمل معهم مدرب مدربين بهذا المجال TOT.
قطع أحدهم الحديث الذي يحتاج الى أكثر من دقيقة، مؤذناً بإنتهاء الوقت المخصص، وقد كان في جعبتي، وبالتأكيد في جعبة الكثيرين مثلي، الكثير من الكلام والذي لو طُبق لنقل الأردن خطوات كبيرة إلى الأمام.
في الختام نبارك للمهندسة المدنية جمانة عطيات بمناسبة إختيارها مديراً عاماَ للمؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري، وما الملاحظات المذكورة أعلاه إلا تغذية راجعة لتطوير نظام التعيين على الوظائف القيادية في المملكة الأردنية الهاشمية.