البرق الخاطف في الرمثا وحسابات الحكومة المعتمة

لم تكن صور أحداث الرمثا جديدة في الأردن، ففي مرات سابقة تطورت المواجهات بين رجال الأمن والمتظاهرين، إلى حد رشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة، ولطالما جرت عمليات التطويق الأمني والسياسي بالسرعة الممكنة، ولذلك لم يشعر الأردنيون بالاضطراب من مجريات الأحداث، التي تابعها عشرات الآلاف منهم على البث المباشر في مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يخطر في بالهم بالطبع أن تمضي الأحداث إلى أبعد مما وصلت إليه.
إلا أن ذلك لا يعني تمدد القلق حول أسئلة كثيرة بقيت بدون إجابات حتى الساعة، فتساءل المتابعون عن السبب الذي دفع الحكومة لإصدار تعميمها الشهير، والسبب المباشر للأزمة، حول حصر إدخال السجائر بعبوة واحدة من عشر علب لكل مسافر، وهو القرار الذي يؤثر على أهالي الرمثا الحدودية، والتي يعمل أعداد كبيرة من أبنائها في تجارة البضائع بين الحدود السورية والأردنية، وما هو الفارق بين إدخال عبوة وعبوتين أو ثلاث عبوات، كما كانت الأمور سابقاً؟
القرار أتى بعد الكثير من التصريحات، التي حاولت أن تعزو التراجع في ايرادات الخزينة إلى التهريب وخاصة للسجائر، إلا أن قليلاً من الذكاء كان كافياً ليكشف التناقض، ففي الأردن كان أحد المصانع غير الرسمية وغير المرخصة يقوم بإغراق السوق بكميات هائلة من السجائر المزورة، ومازالت قضيته منظورة أمام المحاكم، والمفترض أن يأتي إغلاق المصنع المتهرب من دفع الرسوم والضرائب بأثر إيجابي على الايرادات، إلا أن الحكومة لم تتوقف عند هذا الحد، فخرجت أيضاً بأحاديث عن السجائر الإلكترونية، حتى التقط أحد المعلقين الأذكياء، أن الحكومة لولا خجلها من منظمة الصحة العالمية لقامت بنشر إعلانات مدفوعة لتشجيع الأردنيين على التدخين لتدارك العجز الكبير في ماليتها العامة.


الرمثاويون على الطرف المقابل ما كادوا يتنفسون الصعداء بعد سنوات عجاف من إغلاق الحدود مع سوريا، حتى بدأت معالم استهداف الحكومة للحركة التجارية من خلال المدينة، ولذلك فوجودهم تحت الضغط لسنوات كان عاملاً أساسياً لسهولة استفزازهم، وخروجهم عن المألوف أردنياً في تسوية الخلاف المجتمعي ـ الحكومي، وتصاعدت نبرة التحدي عندما أعلن الرمثاويون عن أحد مهربي السجائر الكبار، في بيان ناري أدى إلى تلقفه من قبل رئيس الوزراء ليتحدث عن حوت التهريب، ويقدم وعوداً باصطياده، وهو الأمر الذي ترك الأردنيين مشتتين حول هوية الحوت، وما إذا كان هو نفسه الشخص الذي أعلنه بيان قدمه بعض أهالي الرمثا، أم إنه شخص آخر تتحرك تجاهه الحكومة، كما تحركت سابقاً ضد امبراطور السجائر المزورة. بالطبع كان الأداء الحكومة في التعامل مع الأخبار والإشاعات مضطرباً بطريقة سببت ضغوطاً إضافية أتت لتكمل المشهد تعقيداً بعد الأزمة التي تولدت من عبوة الدخان، وعلى هامش وجود الأزمة أصابت حمى التصريحات بعضاً من أعضاء الفريق الحكومي، فأتى الحديث عن ضرائب حول إعلانات مواقع التواصل والتجارة الإلكترونية، الأمر الذي أوصل ايحاء بأن الحكومة خاوية الوفاض من أي حلول جذرية للوضع الاقتصادي القائم، ولذلك فالأحداث في الرمثا وجدت صدى من التعاطف المتباين في صراحته وحدوده، إلا أن الأردنيين تفهموا موقف أهالي الرمثا، بصورة يجب أن تلتفت لها الحكومة إذا كانت معنية بدراسة التحولات الاجتماعية ورصدها في مرحلة مبكرة.
ليست جيوب المواطنين هي الحل، هكذا أيضاً تحدث الملك بعد زيارته إلى مقر الحكومة في الدوار الرابع، في مشهد أثار العديد من التكهنات حول تحول جذري مرتقب في الفريق الحكومة، أو ترحيل الحكومة برمتها، وتلقى الوزراء تأنيباً ملكياً، فالتكليف الملكي لدى تشكيل الحكومة شدد على ضرورة جذب الاستثمارات التي يعرف الأردنيون أنها التي تخلق القيمة المضافة إلى اقتصادهم المرهق، بفعل سنوات الإقليم الساخنة، وهو الملف الذي تعاملت معه الحكومة بكثير من التجاهل غير المفهوم، بينما كانت تعمل على مراقبة إيراداتها وكأنها تدير الأمور بمبدأ المياومة، أو بانتظار معجزة تهبط من السماء، وكما يذهب بعض الأردنيين، ربما بانتظار إزاحة كبرى على المستوى الإقليمي تنتجه صفقة القرن، وفي هذا السياق بدت الحكومة وكأنها عاجزة عن التواصل مع المستويات الأعلى في اتخاذ القرار، التي تعرف بأن الوضع الاقتصادي اليوم هو ورقة ضغط على الأردن، ولم تستطع الحكومة أن تتقدم لترهف السمع لشكوى المواطنين، أو لمشورة العاملين في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
علقت الرمثا الجرس في عنق حكومة الرزاز، وأخذت الحكومة التي استرخت كثيراً خلال الشهور الماضية بطريقة غير مفهومة، ووسط تغيبات غير مبررة، تحاول أن تستجمع ما يبدو أنها لحظات أخيرة في عمرها، حتى لو امتدت لأسابيع أو أشهر، ويبدو أن تتابع التصريحات التي أتت غير منضبطة، وتفتقر أحياناً إلى العقلانية والمنطق السليم، وكأنها فرصة لتذكير الأردنيين بالفريق الذي اختاره رئيس الوزراء عمر الرزاز من حلقته الضيقة، ومنحه الفرصة لاختطاف بعض الأضواء في مرحلة حساسة من تاريخ المملكة، بعد منعطف الدوار الرابع، ويبدو أن الفريق يحاول أن يختطف ما تبقى من أضواء بعد أن بدأ الحديث يتوجه إلى البديل القادم، كما يخمن ويتوقع الجسد الإعلامي في الأردن، أو قطاع عريض منه، إلا أن ليلة الرمثا الساخنة اختطفت الأضواء جميعها في تكثيف حاد ومربك.
كاتب أردني