لايف أردني
د . باسم الطويسي
أقل من شهر هو الزمن الذي فصل بين إعلان مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك في نيسان / ابريل 2016، عن إتاحةَ خدمة البث المباشر للمستخدمين جميعهم على فيسبوك، وخروج أول بث مباشر أردني لوقفة احتجاجية في إحدى البلدات الأردنية، وعلى الرغم أن الناشطين يعترفون أن ذلك البث قد حماهم من الاعتداء عليهم إلا أنه أسهم فيما بعد في هدم خيم الاحتجاج ووقفه. بعد نحو ثلاثة أعوام ما زال الأردنيون يحتجون لأسباب وجيهة وحماية لوطنهم وحقوقهم، ويحتجون أيضا بدون أسباب أو حماية للوضع القائم، فيما تشكلت ظاهرة ( اللايف الأردني) وبدأت تأخذ ملامح سياسية وثقافية وأخرى تكنولوجية، في السابق كانت خدمة البث المباشر متاحة لعدد محدود وضمن شروط معينة وفي تاريخ الحراكات الشعبية في السنوات الاخيرة قامت شركات إعلامية متخصصة بتولي البث المباشر، اليوم بات الأمر متاحا أمام أي شخص أن يبث ما يشاء من كاميرا هاتفه المحمول وأن يقول ما يشاء. ظاهرة ” اللايف الأردني” تعمقت مؤخرا ووثقت للحركات الاحتجاجية من ذيبان الى الرمثا ونقلت ما فيها وادعت احيانا ما لم يكن فيها ايضا، فيما تطورت هذه الظاهرة خلال السنوات الثلاث الاخيرة الى أشكال مختلفة من البث الذي يقوم به ناشطون في الأغلب ناشطون سياسيون – شعبيون من الداخل والخارج العديد منهم يبحث عن نجومية جديدة في المجتمع الرقمي الجديد، ويتفاوت محتوى البث على هذه المنصات بين المحتوى السياسي الممزوج بالنميمة السياسية والتفاصيل والخيال السياسي أيضا وبين محتوى شعبي محلي يقوم على اصطياد المفارقات السياسية والاجتماعية وتوظيفها من أجل الحصول على المزيد من المتابعين. وعلى الرغم من كون هذه الظاهرة عالمية إلا أنها تكشف لدينا رغبة في الحكي والمشاركة، علينا ان نتفق ان هذه الظاهرة لدينا ليست جماهيرية بالمعنى الاتصالي فالكثير من هذا البث يجد بضعة آلاف من المتابعين، ويمر في دورة حياة محدودة مثل الوميض الذي يشتعل بسرعة وثم يخبو وينطفئ بسرعة أيضا، ولا يتحول الى مواقف اجتماعية او سياسية او قناعات عامة لكنه في الوقت نفسه يجد متعابعين ويخلق حالات من الفوضى والتشويش، علينا تفهم هذه الظاهرة في سياق التطور الثقافي – الاجتماعي الاردني، وكيف يعمل الفراغ الاتصالي والمعلوماتي على منحه مساحة ويترك لها حيزا في الانشغالات العامة. الناس يريدون مساحة اوسع لكي يحكوا ويعبروا اكثر ليس فقط التعبير عن المطالب والحاجات او عن الرفض والاحتجاج او على الطريقة التي تدار فيها الشؤون العامة، بل يريدون التعبير عن آرائهم فيما يحدث وفيما يخطط لهم وان يحكوا قصصهم وحكاياتهم وسط هذه الظروف العامة، هناك عطش للتعبير والحكي، هناك حاجة عميقة للمشاركة ولو بالحكي مقابل حالة رفض ونقمة، وأحيانا سخرية من وسائل المشاركة التقليدية السائدة. في الثقافة الشعبية المحلية وفي علم النفس العيادي يقال الحكي يريح كما هو الحال في الشأن العام، فالناس لديهم رغبة في ان يقدموا افكارهم ومقترحاتهم التي يعتقدون انها سوف تسهم في تحسين نوعية الحياة وربما إصلاح السياسات العامة للدولة، كما أن هناك فئات تعتقد أنها تملك حلولا سحرية لمشاكل المديونية والطاقة والمياه وربما الانحباس الحراري ولها حق في الحكي، وعلى جانب آخر ثمة فئات واسعة اخرى تريد فقط ان تُسمع صوتها لمسؤول او لمن يصغي لها تشرح ما تواجهه من معاناة في عيشها اليومي او معاناتها مع المواصلات ووسائل النقل العام والأزمات التي جعلت المدن لا تطاق واقساط الجامعات والمدارس وفواتير الكهرباء والماء، الناس في لحظة ما يريدون ان يحكوا يريدون من يصغي لهم، وهناك أقلية أخرى تبحث عن مكان داخل المجتمع السياسي حتى وان دشنت سرديات سياسية تقوم على الخيال السياسي. في هذه الظاهرة الوسيلة هي البطل ليس المحتوى ولا الخطاب ولا الناشطون انفسهم وتتحول هذه البطولة الى دراما مثيرة كلما كانت الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية صعبة وتشهد تحولات معقدة، علينا ان نكتشف هذه اللحظة التكنولوجية – السياسية بهدوء ونفسرها بعمق ؛ أي نأخذ الادوات بيدنا في عملية التغيير لا أن تأخذنا.