الأردن من مئوية التأسيس إلى مئوية التعزيز

بقلم: زيد أبو زيد
بين مئويتين يسير الاردن شامخًا نحو إشراقة الفجر الجديد مستلهمًا عظمة المجد من ملوك بني هاشم بدءًا من الملك عبدالله المؤسس الذي وضع حجر الأساس لبناء الدولة ومؤسساتها ومعه ثلة من الوطنيين الأردنيين صاغوا مجد التأسيس على نهج الثورة العربية الكبرى التي انطلقت في فكرة بناء المشروع العربي جغرافيا وسياسيًا، وكان لأحرار العرب وأهل الأردن الأفذاذ الدور الأبرز في بناء أساس الدولة الأردنية الصلب والمنسجم مع فلسفة الثورة العربية الكبرى التي أطلق المغفور له بإذن الله الشريف الحسين ابن علي طلقتها الأولى.
وتأسست الدولة تشق طريقها في خضم منطقة تتقلب تحت صفيح ساخن وتعتنق أنظمتها السياسية أيدولوجيات ومواقف جديدة على المنظومة السياسية والاجتماعية لشعوبها، وكانت قضية فلسطين محورًا رئيسًا للصراع، وكانَّ الملك المؤسس يبني الدولة بيد ويسهر على حماية مقدسات فلسطين بقلبه وعقله ويديه،  واستشهد الملك المؤسس عبدالله الاول على ثرى الاقصى ليخلفه الملك طلال - طيب الله ثراه -  واضع الدستور لتستمر المسيرة حتى قيض الله للشعب الحسين العظيم.
تسلّم الحكم الملك الباني الحسين بن طلال - طيب الله ثراه - الذي شهد الوطن في عهده مجدًا وعزًّا وسؤددًا وبناءً في كل المجالات ورحل تبكيه السماء مطرًا والعيون دمعًا سخيًّا بسخاء ما أحبه شعبه وقدّره العالم، ليتسلّم الراية الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي يشهد عهده تسريعًا في وتيرة البناء والتحول والإنجاز نحو التميز والابتكار ليكون عهدًا عامرًا بالفخر والاعتزاز في مسيرة الدولة، ومراحل إنجاز رغم شُحّ الموارد .
لقد أسس الأردنيون دولة ناجزة تشكل أنموذجًا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا فريدًا رغم شح الموارد وعمق الصراعات الدولية والاقليمية وحتى المحلية فتجاوزت عثرات كبيرة بوعي شعبها وحكمة قياداتها المتعاقبة ، فكانت المئة الأولى من عمرها حافلة بنجاحاتٍ كبيرة وإنجازاتٍ شتى رغم التحديات في أكثر من مجال، وما كان النجاح ليتحقق لولا التخطيط الواعي لتثبيت أركان الدولة الناشئة في إقليم مضطرب، ومن ثم التجديد في عالم سريع التغير يتطلب الأخذ بمعايير الحداثة والأصالة معًا، لتكون البدايات أساسًا للمستقبل الواعد لشعب عظيم يستحق الحياة.
لقد كانت الرؤية الثاقبة لملوك بني هاشم وخلفهم شعب الأردن العظيم دافعًا للعمل على دخول عتبة المئوية الثانية بأسسٍ راسخةٍ ومتينة تُعبّر عن روح الأردنيين وإرادتهم الصلبة المنتمية في بناء النموذج الأمثل سواءً من حيث التعليم ببناء المدارس والجامعات، أو الثقافة ودعم الإبداع في مجال الرواية والقصة والشعر، أو الاقتصاد ببناء المصانع ونهضة البناء للمشاريع العملاقة كمصفاة البترول ومحطة الحسين الحرارية والفوسفات والبوتاس وبروميد الاردن، أو في الصحة ببناء المراكز الصحية والمستشفيات والعيادات وتكنولوجيا العلاج ومركز الحسين للسرطان، أو في الإعلام بظهور الصحف وتأسيس التلفزيون والاذاعة ومن ثم الفضائيات والمواقع الالكترونية والنشر على مواقع التواصل مع دخول الثورة الرابعة الى العالم وتعزيز كل ذلك بالدستور والقوانين والأنظمة والتعليمات انتقالاً بالوطن الى دولة المؤسسات والقانون على الرغم من تعقيدات المشهد في كثير من المحطات وصراعات كبيرة بدءًا من حرب 1948 ومن ثم 1967 والصراعات على المستوى الإقليمي وصراع مراكز الايدولوجيات العالمية، وحرب 1973 بعد حرب الاستنزاف وحرب الخليج الأولى والثانية وأزمات اللجوء, وكان لافتًا موقف الاردن في السياسة و العلاقات الإقليمية و الدولية الذي كان متفرّدَا في حكمته وبعد نظره.
ورغم كل ما سبق فقد صمد الأردن أمام هذه التحديات المتنوعة وكانت السواعد تبني الوطن وتحرس الحدود وتنشر الثقافة والمعرفة ، وكان أبرز دعائم ذلك الصمود؛ القيادة الحكيمة، والإدارة المتعقلة، ووطنية الأردنيين واعتدالهم ووسطيتهم، والتطلع العروبي والإنساني للنظام والمجتمع، والابتعاد عن العنف والتطرف تحت مظلة الجيش العربي المصطفوي والأجهزة الامنية التي رعاها ملوك بني هاشم وهي الآن قرّة عين الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين عزز الله ملكه.
وفي فجر المئوية الثانية تستمر المسيرة وتبدأ مرحلة التعزيز لما أُنجز، والتأسيس لما أغفلته العقود الماضية وتحديات فرضتها عمليات التسارع في كل مظاهر الحياة وبخاصة في نمط الإنتاج وطرائق التعليم والعلاج والزراعة والصناعة وكل مظاهر الحياة بشكل عام  لأن العالم تغير بسرعة كبيرة، وما كان كافياً أو مقبولاً قبل عقود لم يعد كذلك اليوم تسترشد فيه الدولة واقتصاديوها ومؤسساتها  ومفكروها وحكوماتها  بالأوراق النقاشية السبعة التي قدمها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وحدّد فيها الرؤية والاستراتيجية، ورسم المنهجية في الفكر المتجدد في المؤسسات، وتعتبر خارطة طريق مستقبلي تحتاجه الدولة والمجتمع لتحد شكل الدولة القادم في المجالات كافة.
لقد كانت الأوراق النقاشية الملكية حالة متقدمة في الفكر السياسي الاستشرافي للمستقيل ومؤشرًا واضحًا على شكل البناء في نموذجنا النهضوي المتكامل الأركان وأساسه التنافس والإبداع والتفوق في كافة المجالات وعلى رأسها الديموقراطية الناجزة لأنه من غير الممكن دخول المستقبل نحو الدولة الحديثة بكفاءة وفاعلية واعتماد على الذات، وقدرة على التنافس في الفضاء الدولي، واستيفاء حقوق المواطنة وتحفيز الحكومات المتعاقبة على العمل بإخلاصٍ وإبداعٍ وإنجاز دون ديموقراطية حقيقية وتشريعات تنظمها وعلى رأسها تداول الحكومات على قواعد البرامج الحزبية والكتل النيابية وهذا يتطلب بالضرورة إعادة النظر في قانون الانتخاب والاحزاب ونظام المساهمة المالية وقواعد الديمقراطية والياتها وهو ما وجه جلالة الملك عبدالله الثاني الحكومة إلى إعادة النظر فيها بشكل عاجل وضمن مسار حددته سابقًا الأوراق النقاشية الملكية.
 إنَّ الاقتصاد الوطني الذي كان لمرحلة البناء والتأسيس الاثر الاكبر في تشكيل مستقبل الدولة فأقيمت المشاريع للبنية التحتية في كافة المجالات وبناء الجيش والأجهزة الامنية كان لا بد من سياسة اقتصادية جديدة، عمادها الاقتصاد التشاركي المعتمد على الانتاج الوطني بديلاً عن القروض والمنح والمساعدات على أهمية تقديمها من المجتمع الدولي دون شروط لسد فجوة الانفاق على اللجوء الانساني، وكذلك ضرورة التركيز على المشاريع الإنتاجية الجديدة في المحافظات بمشاركة الحكومة والقطاع الخاص.
وفي سياسات الادارة فالمطلوب وضع سياسة محددة في كل قطاع بالتشارك مع جميع مكونات القطاع والاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المجال للوصول إلى نتائج لها معايير رقمية محددة مع وضع حد للفساد الإداري والمالي اعتمادًا على الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية وخطط الوزارات والمؤسسات الاستراتيجية التي يجب ان تُفعّل وتوضع موضع التنفيذ بعيدًا عن قوالبها النظرية الجامدة المحفوظة في الأدراج.
ان الأزمات العالمية تعطي فرصة للتفكير في إشباع الحاجات ضمن إطار إنساني عالمي تكاملي لتأمين الحاجات الأساسية للمواطن وعلى رأسها دواؤه وغذاؤه ومياهه،  ومن هنا فإن إستراتيجية وطنية على مستوى الدولة تركز على الطاقة المتجددة وتكنولوجيات المياه بتنوعاتها و الزراعة الحديثة والسلالات الملائمة يجب العمل عليها حتى يحقق الاردن أمنه الغذائي وطاقته ودواءه ومصادر مياهه.
إن المئوية الثانية يتوقع أن تحمل الكثير من الإنجازات التي تضع الأردن في مصاف الدول الناهضة، خاصة أن الإمكانات البشرية من عقول ومهارات لدينا قادرة على تنفيذ أي إستراتيجية إذا أصبح القرار والعمل والتخطيط والتنفيذ شراكة بين جميع الأطراف وأصبح الإنجاز هو الهدف، ونحن نرى في حكمة جلالة الملك وفكره وإرادته الصلبة للتغير ورؤيته الثاقبة للمستقبل وخلفه شعب عظيم عامر بالخبرات قادر على جعل المئوية الثانية مئوية النهوض والرفعة، حمى الله الوطن آمنًا مستقرا مزدهرًا تحت ظل قيادة الملك المفدى.