إليك هذا الملف أيها الرئيس
ماهر ابو طير -
نتورط في السلبية، عنوة، إذ كلما خرجنا من قصة، استجدت قصة ثانية، غير ان الملف الغائب الذي يتذمر منه الكل، دون حل، وما يزال يضغط على العصب العام، هو ملف قانون المالكين والمستأجرين، ولم يبق صوت، الا وبحت أوتاره، جراء الشكوى.
آلاف المحلات التجارية في الأردن، تشكو من أصحاب هذه المحلات، إذ إن قانون المالكين والمستأجرين في صورته الحالية جاء لينصف جزءا من قطاع المؤجرين بسبب الإيجارات القديمة، وهذا امر قد يكون مقبولا، لكن الذي حصل ان المؤجرين رفعوا سيوفهم فوق أعناق المستأجرين، والذي يقوم بجولة في عمان، مثلا، أو محافظات أخرى، يسمع مر الشكوى، من أصحاب العقارات، الذين يخيرون المستأجر بكلفة مرتفعة أساسا، بدفع المزيد من المال، والا عليه ان يخلي العقار ويخرج.
هذه فوضى خلاقة، برعاية المجالس النيابية والحكومات، التي لم تضع معيارا ولا حدا لهذه الفوضى بشكل مسبق، إذ إننا أولا امام حالة كساد تجاري، وأصحاب المحلات بالكاد لديهم القدرة على دفع ايجاراتهم، وحين يأتيهم صاحب العقار، ويطلب المزيد من المال، يقف صاحب العقار، مذهولا، إذ لو خرج لخسر قيمة موقعه التجاري، وخسر كل أشغال المحل الداخلية، هذا فوق انه لو قبل الإيجار الجديد، فسيؤدي ذلك إلى رفع السلع والمنتجات على المستهلكين، أو سيؤدي ذلك إلى كساد منتجه، أو بضاعته، أيا كانت.
لم يعد أحد يرحم الآخر، واذا كنا نرجم الحكومات، ليل نهار، فقد قدمنا أيضا نموذجا أسوأ على المستوى الشعبي، فالكل يأكل الكل، من الميكانيكي الذي يرفع أسعاره بشكل مستمر دون رقابة، وصولا إلى المؤجر الذي يريد المزيد من آلاف الدنانير سنويا، ويعتقد ان اخراج المستأجر سيؤدي إلى جلب ضحية جديدة، لديها بضعة آلاف تريد أن تجرب حظها، في بلد يعاني من الركود الاقتصادي، ولا يريد المؤجرون ان يتعلموا من الدرس، امام مئات المحلات المعروضة للبيع، وامام حالة الاستعصاء الاقتصادي، والتراجعات على عدة مستويات، خصوصا، المستوى الاقتصادي، وتأثيراته العامة.
لو دعت الحكومة الحالية عينة عشوائية من أصحاب المحلات التجارية، أو دعت لاجتماع لغرف التجارة في الأردن، لسمعت كلاما كثيرا، عما يتسبب به قانون المالكين والمستأجرين، واذا كنت هنا، أؤمن أن عقود الإيجارات القديمة باتت غير مناسبة، فإن البلاء لا يقف عند هؤلاء، بل يضرب كل القطاع التجاري الذي نشأ خلال العشرين عاما الأخيرة، ويتسبب بهزات ارتدادية، على كل المستويات.
إذا بقي الحال كما هو عليه، فلن يجد المؤجرون من يستأجر عقاراتهم، وسوف نشهد المزيد من الإغلاقات، وتسريح الموظفين، وخسارة الوظائف، والمراهنة على صيد جديد، تبدو وهما، لأن الكل يرى الذي يحدث، ولا بد هنا، أن تأخذ الحكومة الحالية، خطوة، باتجاه تعديلات جديدة على قانون المالكين والمستأجرين تعيد إليه التوازن، فلا تظلم المؤجر، ولا تسمح أيضا، باستغلال المستأجر، وخنقه، وشطب حياته، وهذه إحدى الوسائل المتاحة من اجل التخفيف على كل القطاعات بما في ذلك القطاع الصناعي، وغيرها من القطاعات التي تعاني من كلف الإنتاج والضرائب والكساد.
ربما لدى الحكومة الحالية محاذير محددة، خصوصا ان هناك خلايا نائمة برلمانياً واقتصادياً تقاوم أي تغييرات على هذا القانون بسبب مصالح معينة، لكن الأصل ان تبادر الحكومة، وتنقذ القطاع التجاري والصناعي، عبر رفع سيوف المؤجرين عن اعناق المستأجرين، ولعلها مفارقة كبيرة، ان نسمع طوال عمرنا شكوى المؤجرين من عدم عدالة عقودهم، لكننا اليوم، نسمع شكوى المستأجرين من انفراد المؤجرين بهم.
الحكومات لا ترحم، لكننا اثبتنا أيضا اننا اشد قسوة منها، ولا نرحم أيضا، وهذه الحكومة ليست مسؤولة عن خطايا القانون الحالي، فقد ورثته عن سابقاتها، لكننا نطلب منها ان تبادر وتسعى إلى خفض مظالم المستأجرين، خصوصا، في ظل هذه الظروف.