لقد كنت دبلوماسيا أيها الرئيس ..
تعرفت على رئيس الوزراء الحالي، حين كان دبلوماسياً في سفارة الأردن، في لندن، منتصف التسعينيات، وكنت وقتها أعمل في تلك البلاد الباردة، التي يخفف من قسوة طقسها، شيوع العدالة، وتطبيق القانون بشكل دقيق، وغير انتقائي.
ولأن التوطئة تتحدث عن أن الرئيس كان دبلوماسياً، في بلاد البرد والعدالة والقانون، فإن هذه الثلاثية قد تكون مفيدة في الحديث عن شأن يثير عتب قطاع واسع في هذه البلاد.
مقابل ذلك، فإن بلادنا لا تعد باردة، ولا عدالة فيها، أيضا، في كثير من القضايا، فوق ان القانون، لا يطبق دائما، بذات المعيار، على الكل، وقد خرقته الاستثناءات، والحسابات الصغيرة، والكبيرة، والتعقيدات، والعلاقات الشخصية، بما يولد كل يوم، سخطا شعبيا، على قصص الرواتب، وتوزيع المواقع يميناً ويساراً.
الرئيس الذي كان دبلوماسياً، يعرف ان اكثر قطاع في البلد، يشعر بالعتب، وعدم وجود مستقبل له، هو قطاع الدبلوماسيين، والعاملين في وزارة الخارجية، والقصة ليست قصة تصيد سياسي لوزير الخارجية الحالي.
في الكلام الذي يتطاير في صالونات عمان، واخواتها، عن تعيينات لسفراء جدد، بعد شهور، جميعهم من خارج السلك الدبلوماسي، وبعضهم كان وزيرا، وبعضهم كان في موقع ما، وبلا شك ان بعضهم مؤهل، وله خبرته، وبعضهم فاشل، ولا خبرة له، ولا سيرة ذاتية تصلح للتوزيع العشوائي في الحارات والأزقة، والقصة تتفاعل في اطار التعبير عن غياب العدالة.
على سيرة لندن، كنت في العام 1995 اتسكع في حديقة كبرى في وسط لندن، في يوم الاجازة، وقد رأيت بنفسي وزير خارجية سابق، لبريطانيا العظمى، يجول في طرقات الحديقة، بدراجته الهوائية، ويستمتع بالطقس المشمس يومها، ولأن صديقي الذي كنت بمعيته من الشوبك العزيزة، و يعرف تلك البلاد، جيداً، بعد ان هاجر اليها، منذ الثمانينيات، بدأ يحدثني عن ان المسؤول في هذه الدول، حين يخرج من موقعه، لا يبحث عن موقع آخر، بل يذهب للتدريس، او للقطاع الخاص، او ربما يعمل استشاريا في شركة هنا او هناك.
عندنا القصة مختلفة، فكل وزير سابق، يريد ان يعود عضوا في الاعيان، او سفيرا، وكل متقاعد من درجة عليا، يرشق الدولة برصاص كلامه، انها اخذته لحما ورمته عظما، وان هاتفه لا يرن، فقد هجره الناس، وكل شخص يعتقد انه دون وظيفة رسمية، هو مظلوم، وما اكثر المظاليم في بلادي، التي حملت على كاهلها، ثقل الذين يؤمنون بها ولا يؤمنون.
لماذا لا يعيش كل مسؤول سابق، حياته، بشكل طبيعي، ويذهب لإكمال حياته مثل خلق الله، فيكمل تعليمه، او يفتح مشروعا صغيرا، او يدرس في جامعة، او ينتج نظرية جديدة في التأمل الصوفي، او يكتب بحثا عن الفروقات بين الأديان والملل في الهند؟.
بدلا من تعيين سفراء من داخل السلك الدبلوماسي، وبشكل طبيعي، تحدث دوما عمليات انزال مظلي، ويتم تعيين سفراء من خارج السلك ذاته، هذا مدعوم، وذاك لا بد من ترضيته، وثالث ابن عائلة كريمة ليس لها ممثلون في الدولة، ورابع من عرق او اصل او دين، لا بد من تدليله، وخامس لم ترضه المكافآت السابقة، وسادس يتيم لا بد من الاحسان اليه.
لقد آن الأوان والرئيس ابن السلك الدبلوماسي أساسا، ان يعيد الى هذا السلك، دوره ومكانته، وان يتم وقف الطمع بموقع السفير من كثرة من المسؤولين السابقين، او الذين لديهم نفوذ، ونحن هنا، نتحدث عن مشكلة قديمة جديدة، ليس متهماً فيها، الوزير الحالي او من سبقه، فهي مشكلة موروثة، كما لو انها خلل في جينات وزارة الخارجية.
قد تحدث في حالات محدودة ان يتم اختيار شخصية من خارج السلك الدبلوماسي، لتعيينه سفيرا، ضمن حسابات معينة، تتعلق بكونه الأنسب، او لخبرة، او حتى لفهمه طبيعة الدولة التي سيذهب اليها، او لوجود مهمة محددة، لا تصلح الا لهذا، وهذه حالة نادرة، لكن الأصل، ان تكون الغالبية العظمى من السفراء، من أبناء الخارجية، لا من خارج الخارجية.
والقصة بين يدي الرئيس، وقد يكون الرئيس الوحيد، في المملكة الرابعة، الذي جاء أساسا من كادر وزارة الخارجية، وبالتالي فإنه يعرف جيدا معنى NON CAREER.
ماهر أبو طير