موضوع يتجنب الأردنيون التحدث عنه بصراحة: الانتقاد ينتقل من الأفراد إلى المؤسسات
عمان-»القدس العربي»: مسألتان لا ينبغي لهما ان تسقطا من حسابات العمق السياسي عندما يتعلق الأمر بسعي الدولة هذه المرة وليس الحكومة، للعبور من التواقيت المقلقة بأقل كلفة شعبية ممكنة.
لا يخفي لا سياسيون ولا بيروقراطيون في أوساط النخبة الأردنية هذه الأيام شعورهم بالقلق من بروز ظاهرة إدارة ظهر الأفراد المواطنين للدولة في بعض المفاصل وليس فقط للحكومة القائمة.
المعنى ارتفع سقف النقد وتكلس أزمة الأدوات والإحساس العام بأن السلطة تخلت في أزمة فيروس كورونا وتداعياتها عن المواطن الأردني.
خجلا ورأفة وانتماء، يتجنب الأردنيون الحديث في مثل هذا الموضوع بصراحة.
لكن ذلك لا يعني أن عدد من يشعرون به يزيد. فقد لاحظ باحث سياسي أكاديمي هو الدكتور عامر السبايلة مبكرا أن على دوائر صناعة القرار الانتباه لتبدل الخطاب النقدي وسط الناس من الأفراد إلى المؤسسات. تلك محطة يتصور السبايلة أن الواجب الوطني يتطلب الانتباه لها.
لكن النخب خصوصا تلك التي تتميز بخبرة عميقة تحاول القول بنفس التحذير وبلهجات متعددة على أمل حصول استدراك يمنع تكديس الاحتقان على حد تعبير عضو مجلس النواب الأسبق والخبير سامح المجالي، فالاحتقان قد لا يكون خطيرا إلا إذا تكدس دون السماح له بالتسرب.
مبكرا قد يكون رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري من أوائل المحذرين مما يسميه زيادة رقعة الغاضبين في المجتمع الأردني.
دبلوماسية المصري ولياقة أدبياته منعته من استعمال تعبيرات أخشن من مفردات الغاضبين وتوسع عددهم عندما حاول العام الماضي لفت نظر رئيس الوزراء الأسبق عمر الرزاز في هذا الأمر، لكن المصري ومجددا أمام «القدس العربي» يحتفظ بنفس التحذير ويشعر بالقلق من غياب تلك البرامج الجراحية الحكيمة التي تحاول التخفيف من حدة الغضب والاحتقان.
وفي مقايسات المصري وغيره، كانت الدولة الأردنية دوما هي المعبر الوحيد عن الهوية السياسية للأردنيين. لم تتغير هذه المعادلة ومن الصعب أن تتغير لكن حساسيتها تكمن في أن هذا التعبير الاندماجي بين المواطن ودولته وبعيدا عن المزاودة ينتهي بتحميل أجهزة الدولة ومؤسسات السلطة مسؤولية إضافية عنوانها الحفاظ على الخيط الرفيع الفاصل بين المواطنين ومصداقية الخطاب الرسمي.
طبعا يمكن القول إن مصداقية الخطاب الحكومي والرسمي تترنح عمليا عندما يواجه المواطن مأزقا معيشيا واقتصاديا.
وقد التقط مهندس شاب يصف نفسه بانه ينتمي للطبقة الوسطى ولا يربطه بالشأن السياسي أي عنصر واسمه مجاهد البطش وهو يتحدث مع «القدس العربي» عن مفارقة عاشها كمواطن.
المهندس الشاب يدفع ضريبته بخنوع وخضوع للقانون وبمحبة طوال 30 عاما ويتصور بأن محنة فيروس كورونا هي التي تكشف عن حاجته اليوم كمواطن لان تتصرف الدولة وتوفر له الحماية، فهذا ليس واجبه ولا واجب الأحزاب ولا مؤسسات المجتمع المدني في المقام الأول.
مثل هذه الأزمات على الدولة ان تتولاها وعندما يتعلق الأمر بانعكاسات أزمة فيروس كورونا، تحديدا يتوقع البطش كمهندس ورجل أعمال متوسط، ان يوفر دفعه للضريبة لمدة 3 عقود الغطاء له عندما تحصل مشكلة من هذا الحجم.
طبعا لا يعرف المهندس الشاب انه في مفارقته البسيطة يطرق أحد أكثر الأبواب حساسية، فمستوى النقد على المنصات وأحيانا في حراكات الشارع وتعبيرات الأفراد يتجاوز الحكومات والنخب اليوم وفي تطور لافت، فيما يؤكد عضو بارز في مجلس الأعيان وهو يفضل تجنب ذكر اسمه لـ»القدس العربي» أن أخطر ما في هذا التحول هو التمهيد لمرحلة لاحقة، فشعور المواطن الفرد بأن الدولة لا توفر له الحماية المطلوبة قد يؤدي إلى المرحلة الأصعب وهي بناء ذهنية خصومة مع الدولة وليس مع الواقع أو الأفراد.
ذلك مطب كبير والأصل في المسألة أن يخف باب الاجتهاد ويتقلص خصوصا عند الوزراء وكبار المسؤولين الذين يكثرون من الكلام والمبالغات فقط كما يلاحظ المستشار الاقتصادي البارز محمد الرواشدة وهو يؤكد ان الحاجة ملحة لمنظومة إجراءات وقرارات حكومية فعالة ضمن سياق وطني أفقي وليس إلى أقوال تتكرر بلا مضمون وهي أقرب لإنشائيات استعراضية.
يضم الرواشدة صوته من أجل تخفيف الاحتقان العام والغضب إلى دعاة التقدم بخطة وطنية اقتصادية وطنية يتوقف الوزراء بموجبها عن الهدر اللفظي وعن إطلاق الشعارات مستذكرا بأن القيادة المرجعية تأمر الحكومة وأجهزتها ورموزها بالنزول إلى الميدان.
إيقاع الميدان حقيقي أكثر ولا يؤدي بتقدير الرواشدة ويتفق معه السبايلة إلى ارتكاب حماقة وضع القيادة في الدولة ازاء خيار استراتيجي واحد، لأن تعدد الملاذات الاستراتيجية يفترض ان يصبح اليوم هو الأساس وهي محطة لا يمكن الوصول إليها بدون العودة إلى قواعد اللعب النظيف كما سماها يوما ودوما القيادي المثقف في جماعة الإخوان المسلمين الشيخ زكي بني ارشيد.
الأردن معيشيا الآن عشية شهر رمضان المبارك وفي ظل غلاظة وخشونة تداعيات الفيروس الاقتصادية وسؤال الإصلاح الشامل الهائم اليتيم تجاوز محطة سؤال المسألة الأولى التي لا ينبغي السكوت عليها بعنوان بدء ولادة التعبيرات التي تثقب الأسقف وتنتقد الدولة وليس الحكومة.
هل ثمة استدراك تجنبا لسؤال المسألة الثانية الأصعب؟