الأردن… الإصلاح الوطني بمشاركة الجميع

طبعا ودوما لا يمكن إعداد طبق العجة بدون تكسير بعض البيض.
قلنا ذلك علنا عشرات المرات وانطلاقا من الإيمان ليس فقط بضرورة الإصلاح الوطني الشامل في الأردن، ولكن ايضا انطلاقا من الإيمان بأهمية مؤسسات الدولة القصوى والبقاء ليس فقط تحت عباءتها أو أجنحتها، فذلك سلوك معلب لا علاقة له بالتعافي، لكن معها وفي جوارها وعلى أساس الشراكة بالوطن. مجددا نعلم جميعا ويقينا بأن إعداد طبق العجة يتطلب تكسير البيض.
لكن لدينا ملاحظات على الجانب العملياتي في المسألة تكمل نصاب الإعداد الجيد لأن أي محاولة للتذاكي النخبوي أو التنفيذي أو الإجرائي بعد الآن أو حتى الهندسي المضلل للقيادة والشعب ستعود بنا مجددا إلى مرحلة ما قبل التعافي الوطني حيث الاشتباك بطعم العلقم والمرارة مع تفاصيل الأعراض والأمراض.
نريد إعدادا جيدا لطبق العجة الإصلاحي. وهذا يعني ببساطة اختيارا منهجيا ودقيقا لتوقيت ونوع وصنف البيض الذي ينبغي أن يتكسر بهدف الحفاظ ليس فقط على شعرة معاوية الأردنية، ولكن على الوطن ومصالحه العليا وعلى الدولة التي لا يختلف مواطنان عليها.
اختلفنا مع المؤسسة الأمنية لربع قرن، وفي الكثير من الحيثيات والتفاصيل، وتحت عنوان الاستعداد لدفع كلفة الرواية المستقلة المهنية للأحداث.
لكن لا أحد يؤمن بالاختلاف على المؤسسة نفسها، حتى عندما تصطدم الروايات والتصورات، فدور هذه المؤسسة العريقة لا ينكره إلا جاحد حتى عندما تنحرف أو تتزاحم أجندات الأفراد فيها أو تصبح الرؤية مشوشة وغير واضحة وغير مفهومة، وحسب تعبير أحد السياسيين المخضرمين، بأن طبيعة الوضع الجيوسياسي للأردن الوطني تفترض أحيانا العمل بالقطعة والتقسيط، وبقاء الطائرة تحلق على ارتفاع منخفض، وقد لا تهبط بصورة سريعة.
نحتاج للعودة فعلا بوتيرة سريعة لقواعد اللعب النظيف.
تريدون طبقا من العجة الإصلاحية؟ حسنا لا بد من اختيار التوقيت الأنسب لكسر البيض ثم تحديد مستوى نار الطهي، وقبل عرض الطبق على المائدة أن تكون جاهزة، وعبوة الملح في الجوار برفقة رغيف الخبز، ولا بد من كأس ماء حتى تنزلق اللقمة إلى مصيرها، ولا تعلق في الحنجرة فتخنق أحدا… هل تكفي العجة نفسها كوجبة؟

يستحق الأردنيون قيادة وشعبا ومؤسسات مراجعة حقيقية، حتى يعود اليقين وندخل جميعا في مرحلة التعافي بدون نكايات أو انحيازات ثأرية

الإصلاح في الحالة الأردنية ضرورة وطنية ملحة، لكن على المستوى الشعبي أعرف ويعرف الجميع بأن الناس يشتكون من الفساد أكثر من احتياجهم للإصلاح السياسي، وبأن الأردني قلق اليوم على وطنه ودولته ورزقه ومعيشته، أكثر من قلقه على خطة انشائية للإصلاح والتغيير هنا أو هناك.
لا يمكن إعداد طبق العجة الوطني بالتأكيد فورا بدون تحضير الطاولة التي سيوضع عليها الطبق.
أملنا كبير وبعد الدعوة المرجعية العلنية الواثقة والشجاعة بأن تستيقظ الحكومة والأجهزة، فتعمل على تهيئة الظروف حتى لا تدار منتجات وخطوات ومنجزات عملية الإصلاح الهيكلي بنظام التقسيط، كما كان يحصل في الماضي أو في سياق اجترار المخاوف المعلبة ذات الصلة بكلفة الإصلاح وعوائده ومكاسبه.
أملنا أكبر بأن تعمل الحكومة وخصوصا الحالية، لأنها شابة ورئيسها متدفق بالطاقة على الاستجابة بدون مراوغة أو تكتيك أو تأخير، خصوصا في المفصل المتعلق بتوفير بدائل جاهزة للعمل على أساس قيام المؤسسات الدستورية بواجبها مادام الأمني قد أمر ويستجيب بمهنية بالانسحاب قليلا والعودة إلى الاختصاص، والسهر على تمكين المؤسسات الدستورية بعد فترة طالت من الغياب كانت أشبه بغيبوبة بيروقراطية إدارية أو سبات لا مبرر وطنيا له.
هل المؤسسات الدستورية التي كلفت أيضا بالقيام بواجباتها الآن جاهزة ومهيأة للإنجاز والعمل فورا، بعد إخلاء الأمني لمقاعد الصف التنفيذي الأول؟
هذا سؤال مهم لا بد من الوقوف عنده قبل الاسترسال لفظيا مجددا في الحديث عن الإصلاح والغرق في وحل التنميط الذي ضلل المؤسسة والشارع تحت عنوان الكلفة الكبيرة.
ما نريده كأردنيين اليوم ليس فقط العودة لقواعد اللعب النظيف وتوقف عملية تصنيع المعلبات والوثائق التي توضع بالمتحف والأرشيف.
وليس فقط الانتقال مجددا لحكاية جديدة من باب الإلهاء السياسي والاستهلاكي والإعلامي فقط.
وما نريده لا علاقة له بالاسترسال في الانشائيات، فدور الجميع مطلوب وآن لنا أن نفتح حقا وفعلا صفحتنا الجديدة حتى لا يحاول فتحها لنا الآخرون فيحشرون أصابعهم في أنف الوطن.
ما نريده عمليا عودة نظيفة لقواعد الإصلاح الوطني الشامل والعميق المتدرج والمنهجي وعلى أساس شراكة الجميع وبدون أدوات تزيين تعفنت الآن وأصبحت ضارة.
يستحق الأردنيون قيادة وشعبا ومؤسسات مراجعة حقيقية، حتى يعود اليقين وندخل جميعا في مرحلة التعافي بدون نكايات أو انحيازات ثأرية أو بدون مجاملات وحتى بدون تقليب في صفحات الماضي.
إعداد طبق العجة دخل في سياق الاستحقاق وعلينا أن ندخل جميعا كأردنيين في مرحلة التعافي الوطني. اشتراطات وظروف ومناخات إعداد طبق البيض يعرفها الجميع.
بسام البدارين

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»