بوليتكو: علاقة بايدن مع السعودية وإسرائيل تريد إعادة الاحترام لأمريكا وإنهاء 4 سنوات من فوضى ترامب

لندن – "القدس العربي”: نشر موقع "بوليتكو” مقالا لأرون ديفيد ميلر، الذي عمل مستشارا ومحللا ومفاوضا في الإدارات الديمقراطية والجمهورية، شاركه في كتابته ريتشارد سكولوسكي، تحدثا فيه عن الطريقة التي يمكن فيها للرئيس جوزيف بايدن إنهاء الإفراط الذي مارسه دونالد ترامب مع السعودية وإسرائيل. فبعد سنوات من "السكر الزائد” وحصول السعودية وإسرائيل على ما تريدان من ترامب حان الوقت لكي تتعلما القناعة والقبول بالأقل.

يريد بايدن أن يرسل لنتنياهو وبن سلمان أنهما لم يعودا في مركز العالم الأمريكي وعليهما التفكير مليا قبل اتخاذ أي خطوة تقوض المصالح الأمريكية.

وقالا إن الانتخابات تترك تداعيات ولا يظهر أثر انتخاب بايدن والقلق منه أكثر منه في إسرائيل والسعودية إذ أعلن بايدن الأسبوع الماضي، لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والأمير محمد بن سلمان، أن "السكر الزائد” من ترامب قد توقف.

فبايدن ليس مهتما بتغيير العلاقات معهما ولكنه يريد إعادة تعديل الحسابات السعودية والإسرائيلية بطريقة يعيد فيها احترام السعودية وإسرائيل للمصالح الأمريكية والذي كان غائبا أثناء فترة ترامب.

كما يريد أن يرسل لنتنياهو ومحمد بن سلمان أنهما لم يعودا في مركز العالم الأمريكي وعليهما التفكير مليا قبل اتخاذ أي خطوة تقوض المصالح الأمريكية.
وفي هذا السياق لا يبحث بايدن عن فرصة للمواجهة. وسواء اتخذ مواقف متشددة من إسرائيل والسعودية أم لا فهذا مرتبط بتجاهلهما عمدا أو محاولتهما تقويض المصالح الأمريكية التي تعمل على تحقيق الاستقرار والأمن بالمنطقة.

ويعلق الكاتبان أن التفكير بزيارة ترامب الأولى التي توقف بها في إسرائيل والسعودية في أيار/مايو 2017 يدعو للدهشة من كثرة الهدايا التي ظل يقدمها ترامب بدون طلب مقابل لها.
ولم يحدث في تاريخ علاقة الولايات المتحدة مع أي من البلدين أن قدمت هدايا بهذا الحجم في وقت تم سحب التصرفات السيئة تحت السجادة.

وبدون دفع إسرائيل للعمل من أجل الحصول على مكافآت أمريكا، قام ترامب بهندسة استراتيجية "أقصى ضغط” ضد إيران واعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وغض الطرف عن نشاطات إسرائيل الاستيطانية واعترف بسيادتها على الجولان المحتل منذ 1967. كما قدم خطة سلام منحت 30% من أراضي الضفة إلى إسرائيل وقبل أن تبدأ المفاوضات مع الفلسطينيين، بل وخفض من مستوى العلاقات الدبلوماسية مع السلطة الوطنية وحد من الدعم للشعب الفلسطيني وأكثر من هذا عمل على تسهيل عمليات التطبيع بين إسرائيل وبقية الدول العربية.

وبنفس السياق بدأ السعوديون بالعمل، حيث غضت إدارة ترامب الطرف عن الحرب الكارثية التي تقودها الرياض في اليمن ودعمتها عسكريا، وتجاهل ترامب القمع الذي مارسه ولي العهد في الداخل وتستر على عملية قتل الصحافي جمال خاشقجي وزاد من صفقات السلاح للسعودية رغم اعتراضات الكونغرس.
وفي الوقت الذي جعل فيه ترامب السعودية وإسرائيل أولوية لسياسته الخارجية، يبدو أن بايدن يحاول تخفيض هذا المستوى.

بدأ بايدن بوضع مسافة مع السعودية. ففي أثناء الحملة الانتخابية أصدر أشد التعليقات ضد المملكة وانتقد سجلها في حقوق الإنسان ووصفها بالمنبوذة.

وقالا إن الكثير نشر حول تأخر بايدن للاتصال بنتنياهو حيث انتظر هذا شهرا كاملا. ومقارنة مع بايدن كانت المكالمة الثالثة لترامب هي لنتنياهو فيما اتصل باراك أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في اليوم الأول. وتأخر مكالمة لا يعني نهاية العلاقات، لكن بايدن أرسل رسالة وهي: أنا مشغول بالمشاكل الداخلية والشرق الأوسط ليس على قائمة اهتماماتي. وقال: أنا مؤيد لإسرائيل وهذا لا يعني أنني رئيس مؤيد لنتنياهو.

وبدأ بايدن بوضع مسافة مع السعودية. ففي أثناء الحملة الانتخابية أصدر بايدن أشد التعليقات ضد المملكة وانتقد سجلها في حقوق الإنسان ووصفها بالمنبوذة ووعد بوقف الدعم الأمريكي للحرب الكارثية في اليمن. وبعد أيام من تنصيبه أعلن عن نهاية الدعم العسكري الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن ووعد بمراجعة صفقات الأسلحة الحالية. وقالت جين باسكي المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الإدارة تقوم بإعادة ضبط العلاقات وإن بايدن سيتصل بشكل رسمي مع الملك سلمان وليس ولي العهد.

ويعلق الكاتبان أن بايدن يرسل رسالة واضحة: قد نظل أصدقاء ولكن على أمريكا الحصول على منافع أكبر ونظرا للتركيز الكبير على الأمور المحلية وأولويات السياسة الخارجية فربما لن يتوفر لدي الوقت لمشاكلكم. ولا تصعبوا الأمر على الولايات المتحدة في المنطقة وإلا تعقدت الأمور بيننا.

ولكن الإشارات التحذيرية للسعودية وإسرائيل لا تعني أن بايدن مستعد لتغيير العلاقة معهما بطريقة جذرية، فلو شعر بالقلق من تصرفهما وأراد أن يغير العلاقة بشكل كلي فيجب أن يكون حاسما وأكثر جرأة. فضبط العلاقة مع إسرائيل سيكون عبارة عن محاسبة أكثر لها على أفعالها التي تتخذها ضد الفلسطينيين ودعما مشروطا لو قررت تجاهل توقعات الولايات المتحدة.

وسيدعو بايدن إلى تسوية شاملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وسيعارض التوسع الاستيطاني أبعد من خطوط 1967 بما في ذلك القدس الشرقية باعتباره خرقا للقانون الدولي. ولن تبذل الولايات المتحدة جهدا للدفاع عن إسرائيل في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بسبب النشاطات الاستيطانية. وقد تقوم الولايات المتحدة بفرض آلية تمنع فيها استخدام أي تمويل للنشاط الاستيطاني ومراقبة التزام إسرائيل بها. وسيكون بايدن واضحا أن أي مبادرة إسرائيلية لضم مناطق ستكون لها تداعيات خطيرة بما في ذلك قطع الدعم أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ولدى بايدن الكثير من الخيارات لتعقيد الأمور أمام السعودية لو حاولت تخريب جهود العودة للاتفاقية النووية مع إيران. وتضم هذه فرض عقوبات على محمد بن سلمان ورجال لتورطهم في مقتل خاشقجي أو قطع الاتصالات معه بشكل دائم والتأكيد أن الولايات المتحدة لن تقف أمام المحاولات التي تريد جلب السعودية أمام محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في اليمن، بالإضافة لشن حملة نقد لسجل المملكة في حقوق الإنسان ووقف مبيعات السلاح للمملكة وسحب السفير الأمريكي ومعاملة الدبلوماسيين السعوديين كمنبوذين. وزيادة الضغط على السعودية لتخفيض مستويات الانبعاث الكربوني أو لي ذراع السعودية لفتح حوار مع إيران.

ولن يلجأ بايدن إلى أي من هذه الخيارات إلا في حالة لم تترك له السعودية وإسرائيل أي خيار. وأولوية الرئيس هي محلية وسيقاس نجاحه وفشله بناء على أدائه في الداخل، وسيحاول تجنب أي مشكلة تقوض أو تضعف جهوده الداخلية. كما يواجه مشاكل أخرى في السياسة الخارجية وتتعلق بالعلاقة مع الصين وروسيا.

وستكون إسرائيل مشكلة صعبة لبايدن، وسواء استطاع الحصول على ما يريد من نتنياهو الشكاك والماكر أم لا فهذا أمر آخر. فبايدن ليس أوباما، فدعمه لإسرائيل جزء من حمضه النووي كما هو الحال لبيل كلينتون. وسيكون من الصعب على نتنياهو شن هجوم عليه. ويتوقع بايدن من رئيس الوزراء تجنب أي خطوة تقوض جهوده للتفاوض مع إيران وألا يكرر ما فعله أوباما عندما حاول في 2015 تعبئة الكونغرس والدول العربية ضد الاتفاقية. ولكن نتنياهو أضعف من في الداخل وواشنطن مما كان عليه في 2015 وسيحاول بايدن حشره ليس بالتهديدات ولكن اللطف. فقد أخبر نتنياهو مقدما ما أخبر به الدول الأوروبية الأسبوع الماضي عن استعداد الولايات المتحدة التفاوض مع إيران. وبالتشاور معه فلن يترك له أي مبرر للهجوم على الاتفاقية النووية، حيث أكد أنه عازم على معالجة مظاهر القصور فيها، بالإضافة لقلق إسرائيل بشأن الصواريخ الباليستية وجهود التوسع الإيراني في المنطقة. ولو اتخذ نتنياهو قرارات غير مسؤولة بهدف تخريب المفاوضات وشن هجمات ضد المنشآت النووية الإيرانية، فسيكون هو المعزول.
وفي موضوع المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية فلن يضغط بايدن كثيرا، وتعلم من أوباما الذي ضغط على نتنياهو في الملف الإيراني وحل الدولتين. ولن يحاول القيام بمبادرات لعلمه أن التقدم في هذا المسار سيكون ضعيفا. وفي لفتة منه لنتنياهو رحب باتفاقيات إبراهيم التي تفاوضت إدارة ترامب عليها ويبدو أنه مستعد لدعم المنافع التي قدمتها إدارة ترامب للإمارات (إف35) والمغرب (الاعتراف بالصحراء الغربية). ولكن يكون نتنياهو راضيا عن خطط بايدن لتطوير العلاقات مع الفلسطينيين ولكنه يقف أمامها. ولو حدث خلاف فسيكون حول محاولة بايدن تغيير الواقع على الأرض وإعادة بناء الثقة والتعاون بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويتوقع بايدن من نتنياهو تجنب القيام بأعمال بناء كبرى في الضفة الغربية والقدس الشرقية وعدم المضي بالضم.

ولو فاز نتنياهو بانتخابات 23 آذار/مارس بأقلية من اليمين المتطرف فسيكون المسرح مهيأ لمواجهة مع واشنطن حول هذه القضايا.
ومع السعودية، فلن يلجأ بايدن للعقوبات والخيارات التي تم الحديث عنها إلا إذا حاول السعوديون قتل الاتفاق النووي مع إيران أو قاموا بعملية تؤثر على المصالح الأمريكية بالمنطقة. وسيكون الحوار مع السعوديين منضبطا وعلى أساس قوي ولن يترك لأقارب الرئيس الذي تركوا ولي العهد يتصرف حسب رغبته.
وسيواصل بايدن الضغط على السعوديين في ملف حقوق الإنسان. وسيمنح الإفراج عن تقرير استخباراتي حول مقتل خاشقجي الفرصة لإدارة بايدن الضغط للإفراج عن المعارضين السعوديين. وستعمل الإدارة جهدها للضغط على السعودية القيام بدورها لوقف الحرب في اليمن.

وسواء قررت الإدارة وقف مبيعات الأسلحة أم لا وهو ما يجب بعد المراجعة لأن السعودية اشترت وخلال السنوات الماضية الأسلحة التي تريد لا تلك التي تحتاجها للدفاع عن نفسها. ومساعدة السعوديين لحماية أنفسهم من الصواريخ الإيرانية والهجمات الإلكترونية. ولكن لا يصدق الأمر على تزويد المملكة بأسلحة لاستعراض قوتها خارج حدودها والهجوم على إيران مثلا.

ولا تواجه المملكة تهديدا حتميا بحرب تقليدية من إيران أو أي دولة أخرى في المنطقة. وشاهد العالم ما عملته السعودية بالأسلحة الأمريكية المتقدمة في اليمن، وكانت غائبة عن الحرب ضد تنظيم "الدولة” في العراق واليمن. وفي النهاية، بايدن ليس ثوريا، فهو ديمقراطي معتدل وما يهمه هو تعديل أوراق البيت لا تمزيقها، وهذا ينطبق على السعودية وإسرائيل أيضا. والسعودية ليست حليفة للولايات المتحدة ولكنها شريك مهم، على الأقل حتى ينفطم العالم عن الطاقة الهيدروكربونية وينتهي التعاون الأمريكي- السعودي في مجال مكافحة الإرهاب. ولكن إسرائيل مختلفة فهي الدولة الوحيدة التي تشترك مع أمريكا في القيم على حد تعبير الكاتبين علاوة على أنها الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة. وبعد 4 أعوام من الطريق باتجاه واحد، فبايدن محق في حقنه شروطا وإجراءات تبادلية في العلاقات الأمريكية مع إسرائيل والسعودية.

وقد ينجح لو اعترف أن هاتين الدولتين تحتاجان الولايات المتحدة أكثر من حاجة هذه لهما ولو كان مستعدا لاستخدام النفوذ الأمريكي لو أجبرتاه على فعل هذا.