تجديد المشروع الحضاري للأمة الإسلامية .. في ضوء رسالة عمان الرائدة ..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين وبعد:
تدعو رسالة عمان المباركة المسلمين جميعا إلى العمل على تجديد المشروع الحضاري للأمة الإسلامية، والذي يقوم على هدي الدين الإسلامي الحنيف، وفق خطط عملية محكمة وقواعد منهجية منضبطة، بحيث يكون من أولوياتها الأمور التالية:
1.تطوير مناهج إعداد الدعاة مما يجعلهم مؤهلين للقيام بواجباتهم الدعوية والعلمية على أتم وجه وأكمله وأحسنه.
2.ترسيخ البناء التربوي للفرد المسلم القائم على الثوابت المؤسسة للثقة في الذات، والعاملة على تشكيل الشخصية المتكاملة المحصنة ضد المفاسد والفتن.
3.الاهتمام بالبحث العلمي في كافة المجالات الشرعية والدنيوية.
4.التعامل مع العلوم المعاصرة على أساس نظرة الإسلام المتميزة للكون والحياة والإنسان.
5.الاستفادة من إنجازات العصر في مجالات العلوم والتكنولوجيا.
6.تبني المنهج الإسلامي في تحقيق التنمية الشاملة الذي يقوم على العناية المتوازنة بالجوانب الروحية والاقتصادية والاجتماعية.
7.الاهتمام بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
8.التأكيد على حق الإنسان في الحياة والكرامة والأمن، وضمان حاجاته الأساسية.
9.إدارة شؤون المجتمعات وفق مبادئ العدل والشورى.
10.الاستفادة مما قدّمه المجتمع الإنساني من صيغ وآليات لتطبيق مبادئ الحريةالمنضبطة.
هذا وإن التجديد للمشروع الحضاري للأمة الإسلامية، معناه إحياء هذا المشروع الكبير، وبعثه من جديد، والعمل على تحقيقه على أرض الواقع وفق خطط عمليَّةٍ محكمة.
ذلك أن الأمة الإسلامية –منذ بزوغ فجر الإسلام- لها مشروع حضاري إنساني كبير، يهدف إلى إصلاح الإنسانية، والعمل على ترشيد مسيرتها، وتحقيق سعادتها وأمنها وتقدمها في كافة المجالات.
وهذا المشروع الحضاري الكبير إنما يقوم على تطبيق أحكام ومبادئ الإسلام الحنيف، الذي شرعه الله –تعالى- لإنقاذ البشرية من ظلمات الجهل والهوى، وتخليصها من العبودية والخضوع لغيره –جل وعلا- ورفع الظلم والقهر والاضطهاد الذي به تتحقق سعادتها واستقرارها.
وعليه فإن المشروع الحضاري لهذه الأمة، هو المشروع الأوحد الذي يكفل للبشرية الأمن والاستقرار بكل أنواعه وأشكاله.
ومع الأسف الشديد فإن هذا المشروع الحضاري العظيم غاب منذ أزمنة بعيدة عن حياة الإنسانية وحضارتها، وذلك بسبب ضعف الأمة الإسلامية، وتخليها عن جانب كبير من دينها الحنيف، في بعض الأحيان، وجهلها بحقيقته ودوره في بناء الحضارة الإنسانية أحيانا كثيرة، وقد أدى ذلك إلى انعزال المسلمين وعدم مشاركتهم في بناء الإنسانية، واغترارهم بالحضارات الأخرى على ما فيها من خلل وضعف وعيوب.
ومن هنا جاءت دعوة رسالة عمان المباركة للأمة الإسلامية للقيام بواجبها الحضاري الإنساني والذي من أهمّه العمل على تجديد مشروعها الحضاري وبعثه من جديد، لتأخذ الأمة مكانتها التي يجب أن تكون فيها لإنقاذ البشرية من المهالك والأخطار.
وعلينا أن نعلم –هنا- بأن التجديد للمشروع الحضاري لهذه الأمة يحتاج –اليوم- إلى جهد كبير من علماء ومثقفي المسلمين للتعريف بمكونات هذا المشروع، والكشف عن خصائصه الإنسانية، والنهوض بمستوى فكر الأمة الإسلامية وثقافتها كي يكون مواكبا لحركة المجتمع الإنساني، و ملبيا لمطالب الأجيال المعاصرة ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بمراعاة المتطلبات التالية:
1- أولا: الثقة بالنظر العقلي والاعتماد عليه في تشجيع مسيرة الاجتهاد في كل المجالات الفقهية والفكرية والتربوية بما لا يتناقض ذلك مع الأصول والثوابت المقررة.
2- ثانيا: أن يكون هذا الاجتهاد المنشود ملبيا للمصالح الاجتماعية ومحققا للمقاصد الشرعية.
3- ثالثا: النهوض بمستوى المؤسسات العلمية الإسلامية من حيث المناهج وأساليب الفهم والتدريس.
4- رابعا: تجديد ما يحتاج إلى تجديد، من تراث الأجيال السابقة بالعناية به، والإضافة إليه، والاستغناء عما لا يفيد مما كان ملائما لواقع غير الذي نعيشه –اليوم-.
5- خامسا: إبراز القيم الإسلامية والاهتمام بها، واعتمادها كمنطلقات أساسية للإصلاح والبناء للسلوك الاجتماعي الإنساني.
6- سادسا: تحرير الثقافة الإسلامية من مخلفات عصور الجمود والتخلف والتقليد، التي أثقلت كاهل هذه الثقافة بمعتقدات فاسدة، وقيم متضاربة ومتناقضة، وتقاليد تُكرس حالة التخلف في المجتمعات، وتحارب الفكر الإصلاحي التجديدي المستنير الراشد.
7- سابعا: النهوض بمستوى الخطاب الإسلامي، في جميع المنابر المتنوعة.
8- ثامنا: النهوض بالدعاة –علميا وثقافيا- لكي يكونوا أكثر وعيا بقضايا عصرهم، ومتطلبات المجتمع الإنساني. وأكثر تأثيرا في الإنسان المعاصر.
9- تاسعا: العمل على ترسيخ مفهوم قبول الآخر، ومحاربة الفكر الإقصائي المبنيّ على إقصاء الآخر وتكفيره والحكم عليه بالضلالة والشرك.
هذا الفكر العقيم الخطير الذي فشا وانتشر من جرّاء انتشار الفكر الوهابي التكفيري لعقود طويلة وبدعم معنوي ومادي من جهات متعددة ما أرادت بهذه الأمة إلا المكر والسوء.
ومما يجب علمه –في هذا المقام- أن التجديد للإسلام الحنيف، وللمشروع الحضاري الإنساني للأمة المسلمة، حقيقة شرعية ثابتة ومقررة، وضرورة عصرية ملحة، وظاهرة متكررة مستمرة.
ولذا قال نبي الإسلام سيّدنا محمد –صلى الله عليه وآله وسلّم -: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها)).
وهنا لا بد من التأكيد على أن التجديد المنشود ليس تغييرا لحقائق الدين الثابتة القطعية، ليلائم أحوال الناس وأهوائهم، ولكنه تغيير للمفهومات الفاسدة المترسبة في الأذهان والعقول، وتغيير للتقاليد والأعراف والأخلاق الرجعيّة والمفاهيم المغلوطة في أبواب الدين وعلى رأس ذلك باب العقيدة والتوحيد من مثل بدعة التجسيم وعدم تنزيه الله تبارك وتعالى عن الشبيه والنظير.
وهو كذلك رسم للصورة الصحيحة الواضحة للإسلام الحنيف ومشروعه الحضاري النهضوي.
وعليه فإن أي حركة تستهدف تغيير معالم الإسلام القطعية، تكون في حقيقتها ومآلها هدما له، وقضاء عليه، وإن بدا –للوهلة الأولى- أنها تدعو إليه، أو تحقق له بعض المكاسب الآنية.
ويجدر بنا أن نلاحظ بأن الأصل في كلمتي (الأمة) و(دينها) العموم والشمول، فإن الحركة التجديدية البشرية المنشودة –في هذا العصر- تستهدف إصلاح البشرية كلها في جميع الأقطار والأمصار، وعلى كافة المستويات، فهي ليست حركة إقليمية محدودة تقف عند بلد معين لا تتعداه، وليست مقصورة على فئة معينة من الفئات التي تُكوِّن المجتمع الإنساني، ذلك أن الإسلام لم ينزل ليكون دينا لفئة خاصة من البشر دون غيرهم، بل الإسلام جاء لإنقاذ البشرية كلها، والنهوض بها إلى مراقي الفلاح والتقدم والتنمية الشاملة لكل جوانب الحياة الإنسانية.
وينبغي أن نعلم –هنا- بأن هذا الحديث العظيم المبارك هو إحدى المبشرات التي أخبر بها نبي الإسلام –صلى الله عليه وآله وسلم- أمته، وإنه ليمنح المسلمين الأمل الأكيد على أن هذه الأمة العظيمة لا بد وأن تستيقظ من سباتها، وتنطلق من جديد لتحيا ويحيا بها المجتمع الإنساني بكامله.
فعلى الأمة –اليوم- أفرادا وجماعات، في كل البلاد والبقاع أن تنهض للقيام بواجبها الحضاري النهضوي التجديدي الذي يعيد للبشرية أمنها واستقرارها وحياتها وتقدمها. والواجب على الدول الإسلامية أن ترعى أولئك العلماء والمثقفين والواعين من هذه الأمة، والذين هم اللبنة الأساسية في بناء وتجديد المشروع الحضاري لهذه الأمة القائدة الرائدة.
بقلم / الشيخ عمر البطوش
إمام وخطيب في وزارة الأوقاف الأردنية.