هل تذكرون ذلك اليوم؟
فهد الخيطان
نذكر ذلك المساء الذي خرج فيه وزير الصحة الدكتور سعد جابر ليعلن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا المستجد، لأردني عاد من إيطاليا.
كان ذلك قبل سنة بالتمام والكمال. بعد أقل من ساعة على إعلان الوزير، كانت السيرة الذاتية للشاب المصاب معروفة لجميع الأردنيين؛ اسمه وعائلته ومهنته ومكان عمله.
الأسابيع الطويلة التي قضيناها نترقب هذا الحدث، جعلت منه مناسبة وطنية امتزجت فيها مشاعر القلق والهلع، بشيء من البهجة. أخيرا الأردن يسجل أول إصابة. وسائل الإعلام كانت متلهفة لمانشيت كهذا.
المصاب لم يكن يعاني من أي أعراض، وما أن تم إدخاله لقسم العزل المجهز في مستشفى الأمير حمزة، حتى انهالت اتصالات الصحفيين عليه. وانتصبت كاميرات التلفزة أمام المستشفى وقرب منزله في السلط، واتجهت الأنظار صوب المول التجاري حيث يعمل.
قيل إن الرجل ربما لم يكن مصابا أصلا، وفي مداخلاته الإعلامية، قال بما يفيد ذلك، لكن لم يكن لأحد أن يسمح للمصاب رقم واحد أن يفسد بهجة التأهّب بعد أن انتظرنا طويلا هذه اللحظة.
بعد أسبوعين من الحجر، خرج الشاب سالما معافى، وشهد خروجه من المستشفى ما يشبه الحفل الصغير تحت رعاية وزير الصحة، الذي رافق المصاب المحظوظ عند مدخل المستشفى، وأدلى بتصريحات صحفية، بدا فيها وكأنه يعلن نهاية الوباء في الأردن.
لم يكن العالم كله يعرف إلا القليل عن هذا الفيروس الغامض، ولم ندرك يومها أن الحالة الوحيدة التي سجلت في الأردن لم تكن سوى بداية لعداد لا يتوقف عن إحصاء الإصابات. مع مرور الوقت صارت الإصابات والوفيات مجرد أرقام، هنا وفي كل مكان بالعالم، ولم يعد أحد منا يسأل عن الأسماء والأشخاص.
رغم الانتكاسات التي رافقت معركتنا مع الوباء، تبدو الحالة الأردنية، مشابهة لحالات دول أكثر تقدما من دولنا المتواضعة في إمكانياتها. فبينما كان بمقدور جهاز الصحة الأردني توفير اختبارات كورونا بأعداد معقولة، وتوفير نظام تعقب للمخالطين، كانت دولة كبرى بحجم الولايات المتحدة، غير قادرة على إجراء أكثر من 100 اختبار لفيروس كورونا في اليوم، حتى أواخر شهر شباط "فبراير” من العام الماضي، بفعل إدارة سياسية سيئة للأزمة، وخضوع العلماء وأصحاب الاختصاص لرغبات السياسيين. الفيلم الوثائقي الرائع "Tottally Under Control”، الذي يسرد قصة أميركا مع الجائحة، يكشف على نحو مأساوي، النهج الكارثي التي اتبعته إدارة ترامب في التعامل مع الأزمة.
الفيلم يظهر أن الكثير من القرارات الخاطئة التي اتخذتها الدول في التعامل مع الأزمة، كان مصدرها واشنطن، حتى ما تعلق منها بالجانب الطبي البحت، واعتماد بعض العقاقير كعلاج للوباء لم يكن سوى تعبير عن سلوك تجاري جشع لترامب ومن حوله من رجال الأعمال، كفضيحة عقار "هيدروكسي كلوراكين”.
كانت بياناتنا عن أعداد المصابين القليلة يوميا تتم بشكل تفصيلي وتشخيصي دقيق أحيانا، وعندما كسرنا حاجز عشر إصابات، فرضنا حظرا شاملا طويلا في جميع مناطق المملكة.
هل كانت كل خياراتنا في التعامل مع الأزمة صحيحة؟
ربما لم تكن كذلك، لكن الجواب أيا يكن ليس مهما اليوم، لقد فعلنا ما فعله غيرنا في العالم من إجراءات، ودورة الفيروس في الأردن لم تختلف عن غيرها في بلدان العالم. وما ارتكبناه من أخطاء في نظر البعض، ليست أقل من تلك التي ارتكبتها دول تملك خبرات أكثر في التعامل مع الجوائح والأوبئة.
المسافة التي تفصلنا عن ذلك اليوم الذي احتفلنا فيه بتسجيل الإصابة الأولى إلى أن بلغنا مئات الألوف، هي باختصار تجربتنا التي تعلمنا منها الدروس للمستقبل.