الشاعر العراقي حبيب السامر: قصيدة النثر هي كيان وظاهرة تخيلية في كتابة النص الجديد
الشاعر حبيب السامر من مواليد البصرة، حاصل على بكالوريوس لغة إنكليزية، عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، ويشغل حاليا منصب نائب رئيس اتحاد أدباء وكتاب البصرة. أصدر دواوين عدة، منها «مرايا الحب.. مرايا النار»، «حضور متأخر جدا»، «أصابع المطر»، «على قيد الحب»، «شهرزاد تخرج من عزلتها» و»بابيون». كما تُرجمت بعض قصائده إلى لغات عدة، كالإنكليزية، الإسبانية، الفرنسية، الصربية، الفارسية والكردية.. وكان لنا معه هذا الحوار..
□ ما الذي جاء بك إلى الأدب؟
في البدء، لنقل من جاء بك إلى الشعر.. إلى هذه المنطقة الملآى بالمرايا والنوافذ، وأنت تنظر إلى العالم من زوايا القلب، لتكتب القصيدة، تسحبك الكلمات بخيط سري لا ندركه تماما، لكننا نحس بمغنطته من خلال خفقة الروح وهي ترسم ملامح النص، بدون دراية. اليد الخفية في الكتابة، للآن لم أعرف كنهها، تخرج من الغرفة، تتجول في الشوارع، تسحبك إلى أجواء البستان أحيانا وأخرى إلى الغابة، تشرب القهوة مع نساء حسان في مقهى كاريبو، أو تجدك في مقهى الأدباء تنظر إلى صور الأصدقاء الراحلين ويدمع قلبك. الشعر هو من جاء بي إلى منطقة يطلق عليها الآخرون الإبداع، نتوق إلى معرفة أنفسنا في هذا العالم المغطى ببياض القطن، نحاول أن نفك أسرار الحروف ونحن نرصفها، بدون قصد لتخرج القصائد موشاة بالنرجس، أو تجدنا نكتب عن الخيبات واللوعات، وخسائر لا تعد ولا تحصى من حياة نحاول أن نجد أنفسنا فيها وسط هذه الضجة، لنرسم لنا خطاً نعتقده، لنا فقط، أو هكذا يشبّه لنا.
□ متى تبدأ لحظة الكتابة؟
حالة الكتابة عندي لحظية جدا، بدون استدعاء.. الكتابة أحسبها عالمي وطقسي المتغلغل فيّ.. لا وقت للكتابة لديّ.. أكتب متى ما استدعتني اللحظة الوامضة فضّ بياض الورقة.. أمارس الكتابة على الورق لحد هذه اللحظة وأتركها أحيانا تنضج على نار الحياة ومراجل الصبر.. أدون أفكاري أحيانا .. أقرأ كثيرا.. أكتب قليلا.. لديّ مسودات بالجاف والحبر وقلم الرصاص.. أظل شاردا حين تداهمني لحظة الكتابة، أفرش روحي لها مائدة حين تومض وتطرق بابي، سعادتي تتجدد أثناء الكتابة وبعد الانتهاء منها، أجد نفسي محلقاً. الكتابة لحظة ولادة.. وكم من الأولاد لدينا نحن الذين نذرنا أنفسنا للورق.
هل يحمل نتاجك الثقافي رسالة إبداعية، أم أنه إخراج مخزون الموهبة؟
حتما، لا تكون هناك كتابة من أجل الكتابة، لإفراغ المخزون، أو أن تزيح عن كاهلك غصة ما. الكتابة فعل مؤثر يحمل رسائل ملونة إلى العالم، يدخل في مدلولاتها اللونية الأسود أيضا.. كيف لنا أن نوصل صوتنا إلى العالم ما لم تكن الكتابة المؤثرة والمترجمة لحقائق الأمور. نعم، نكتب لنجعل العالم يقف أمام القصيدة.
□ ما يميزك أنك تستلهم الجمال في نصوصك، وتعده جزءا مكملا من الوعي الشعري. هل بدأت لحظة التخلّص من الحزن؟
الحزن ملح الحياة، لكن لابد أن ننظر إلى جمال البستان لا إلى الوردة الذابلة فيه، البستان والحقل أوسع من وردة واحدة ذاوية في ركن ما… الحياة تستمر مع الجمال والحب والبياض والنقاء، الشاعر مرآة الحياة بتشعباتها وقلقها وهوسها وحزنها وفرحها، حتما نحتاج أن ننظر إلى الكون من نافذة مشرقة مثلما نرى الحياة القاسية في زاوية أخرى. هنا حياة وفي المقابل وهم حياة، بالنتيجة تسري هذه على متضادات الكون الشاسع والواسع والمترامي الضوء.. أحرص في قصائدي على أن ألجأ إلى الذات المشرقة، كما في ابتسامتي في أسوأ حال، أكره التمثيل في النص وأجده ملتبسا عند البعض وهم يشتغلون عكس ما يضمرون، وهنا الكارثة.. لم أجد في حياتي أن نصا في الشعر، أو القصة أو الرواية، أو حتى في الفيلم ينتصر للقبح! لذلك علينا أن نظهر في نصوصها حالات الإشراق، ولا نغالي فيها لو اعترض قلوبنا الحزن، الكتابة مرايا الروح.
□ هناك كتابات أدبية فيها جنوح نحو الألم، أو جلد الذات أو حتى الموت. هل هذه نابعة من البيئة، أم أن هذه الثيمات هي الأقرب لقبول التلقي من الأخر؟
الكاتب ابن مجتمعه وبيئته.. ابن الحياة بتقلباتها والانغماس في علاقاتها المتشعبة، لذلك في الكتابة يسعى الكاتب إلى ترجمة ما يراه بلغة تفتح طاقاتها لخلق تفاهمات بينه وبين المتلقي. حين نباشر بالكتابة، لابد أن نرى فضاء العالم وشساعته وهو يحمل إلينا الكثير من إيجابيات الكون، لكن هذا بالنتيجة لا يقف حائلاً أمام فضح قبح العالم وتجاوزاته على الإنسانية.. لا بد للكاتب أن يترجم التعالق الكوني بين النص والمجتمع.
□ وكيف ترى عملية التلقي اليوم أمام تحديات التقنيات الحديثة؟
لابد لنا أن نواكب العصرنة، ونذهب باتجاه التكنولوجيا بكل حداثتها، لأنها أصبحت واقع حال.. نفتح عيوننا صباحا لننظر إلى موبايلاتنا وحاسباتنا اللوحية، لكن بالمقابل علينا أن نحافظ على طقوسنا في القراءة والتلقي، ولا ننكر أن الأجيال الحالية واللاحقة، ستبتعد كثيرا عن الكتاب المطبوع، رغم القلة المتوافرة التي ظلّت وفية لرائحة الكتاب وملمس الكلمات.